وفيه قول ثالث: وهو أن يصلي بعدها، ولا يصلي قبلها، روينا عن أبي مسعود البدري أنه قال في يوم عيد: أيها الناس إنه لا صلاة في يومكم هذا حتى يخرج الإمام. وروينا عن ابن مسعود أنه صلى بعد العيدين أربعاً.
وممن مذهبه أن يصلَّى بعدها، ولا يصلى قبلها علقمة، والأسود، ومجاهد، وابن أبي ليلى، وسعيد، وإبراهيم النخعي، وبه قال سفيان الثوريّ، والأوزاعيّ، وأصحاب الرأي، وحُكي عن الأوزاعيّ أنه قال: اجتمعت العامّة على أن لا صلاة قبل خروج الإمام يوم الفطر والأضحى، وبُصَلَّى بعدُ.
وفيه قول رابع: وهو كراهية الصلاة في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها، والرخصة في الصلاة في غير المصلى، هذا قول مالك، وكان إسحاق يقول: الفطر والأضحى ليس قبلهما صلاة، ويُصَلِّى بعدهما أربع ركعات، يفصل بينهنّ إذا رجع إلى بيته، ولا يصلي في الجَبّان أصلاً؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين يوم الفطر، لم يصلّ قبلها ولا بعدها. ثم رجّح ابن المنذر قول من أباح الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، راجع كلامه في كتابه (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح قول من قال بعدم مشروعيّة الصلاة قبل صلاة العيد، أو بعدها؛ لعدم ثبوته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأصرح دليل على ذلك قول أبي مسعود - رضي الله عنه - فيما رواه النسائيّ بإسناد صحيح:"يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يُصَلَّى قبل الإمام"، فإنه من أهل اللغة يَفهَم مقاصد الشريعة، وقد أنكر على من رآهم يصلّون قبل صلاة العيد، وقال لهم: إنها ليست من السنة، فلا أدلّ على عدم مشروعيتها من قوله:"ليس من السنّة … إلخ".
والحاصل أنه لا يُشرع التنفّل قبل صلاة العيد، ولا بعدها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.