للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العادة، وخصوصًا في مدّة النبوّة، ولو سُلّم أن تلك الشروط عقليّة، فيجوز أن تكون تلك الأمور موجودة في جسم الحائط، ولا يُدرك ذلك إلَّا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ أن رؤيته - رَحِمَهُ اللهُ - التي ذكرت في هذا الحديث محمولة على حقيقتها، وأما كيفيّتها فليس في النصوص ما يدلّ على تعيينها، فلا ينبغي الخوض فيها بالتخمين، بل يوكل علمها إلى العليم الخبير، والله تعالى أعلم.

وقوله: (كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ) بالبناء للمفعول، قال السيوطيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذه الرواية أوضح من رواية: "ما من شيء، لَمْ أكن أُريته، إلَّا رأيته في مقامي هذا"، حتى قال الكرماني: فيه دلالة على أنه رأى ذاته تعالى المقدّسة في ذلك المقام، بناء على عموم الشيء له تعالي، لقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} الآية [الأنعام: ١٩]، والعقل لا يمنعه، لكن بيّنت هذه الرواية أن كلّ شيء مخصوص بالموعود، كفِتَنِ الدنيا، وفتوحها، والجنّة والنار.

قال السنديّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لكن قد يقال: هو تعالى داخل في الموعود؛ لأن الناس يرونه تعالى في الجَنَّة، فليتأمل. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله السيوطيّ: - رَحِمَهُ اللهُ - هو الأولى، يؤيده ما سيأتي عند المصنّف من حديث جابر - رضي الله عنه - بلفظ: "إنه عُرِضَ عليّ كلّ شيء تولَجُونه … "، والله تعالى أعلم.

وقوله: (أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ) - بكسر القاف، وسكون الطاء المهملة -: قِطْفُ الثمرة ما يُقطف منها؛ أي: يُقطع، ويُجتني، وهو هنا؛ أي: عُنقُود من العِنَب، كما جاء مفسّرأ في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الآتي: "إني رأيت الجَنَّة، فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا".

وقوله: (حِينَ رَأَيتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدَّمُ) أي: أخذت، وشرعت أمشي أمامي، فـ "أُقدّم" مضارع قَدَّم اللازمِ، بمعنى تقدّم.


(١) "المفهم" ٢/ ٥٥٣ - ٥٥٤.
(٢) شرح السندي على النسائيّ" ٣/ ١٣١ - ١٣٢.