للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَمَر به، وتنبيهٌ على الالتجاء إلى الله تعالى عند المخاوف بالدعاء والاستغفار، وإشارة إلى أن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة أيضًا، وأن الاستغفار والتوبة سببان للمحو، يُرجَى بهما زوال المخاوف. انتهى (١).

وقوله: (حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ عَنْكُمْ) وفي نسخة: "حتى يُفرج عنكم"، فيكون بالبناء للمفعول، من التفريج، وَيحْتَمِلُ أن يكون من الفَرْجِ ثلاثيًّا، يقال: فَرَّجَ الله الغمّ بالتشديد: كَشَفَه، والاسم الْفَرَج بفتحتين، وفَرَجَهُ فَرْجًا، من باب ضَرَب لغةٌ، وقد جمع الشاعر اللغتين، فقال [من البسيط]:

يَا فَارجَ الْكَرْب مَسْدُولًا عَسَاكِرُهُ … كَمَا يُفَرِّجُ غَمَّ الظُّلْمَةِ الْفَلَقُ (٢)

وقوله: (رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا) قال الكرمانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: المقام يَحْتَمِل المصدر، والزمان، والمكان.

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذه الرؤية رؤية عيان حقيقة، لا رؤية علم، بدليل أنه رأى في الجنّة والنار أقوامًا بأعيانهم، ونعيمًا وقِطْفًا من عِنَبٍ، وتناوله، وغير ذلك، ولا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها، لا سيّمًا على مذهب أهل السنّة في أن الجنّة والنار قد خُلقتا، ووُجدتا، كما دلّ عليه الكتاب والسنّة، وذلك أنه راجع إلى أن الله تعالى خَلَق لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - إدراكًا خاصًّا به أدرك به الجنّة والنار على حقيقتهما، كما قد خلق له إدراكًا لبيت المقدس، فطَفِقَ يُخبرهم عن آياته، وهو ينظر إليه، ويجوز أن يقال: إن الله تعالى مثّل له الجنّة والنار، وصوّرهما له في عُرْض الحائط، كما تتمثّل صور المرئيّات في المرآة، ويَعْتَضِد هذا بما رواه البخاريّ من حديث أنس - رضي الله عنه - في غير حديث الكسوف، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأيت الآن منذ صلّيتُ لكم الصلاة الجنّة والنار متمثّلتين في قبلة هذا الجدار"، وفي لفظ آخر: "عُرِضت عليّ الجنّة والنار آنفًا في عُرض هذا الحائط، وأنا أصليّ"، وقال فيه: "إني صُوّرت لي الجنّة والنار، فرأيتهما دون هذا الحائط"، ولا يُستبعد هذا من حيث إن الانطباع في المرآة إنما هو في الأجسام الصقيلة؛ لأنا نقول: إن ذلك شرط عاديّ لا عقليّ، ويجوز أن تنخرق


(١) "إحكام الإحكام في ٣/ ٢٥٣ بنسخة الحاشية.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٦٦.