للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (جَهَرَ فِي صَلا الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ) فيه دليلٌ على استحباب الجهر في صلاة الخسوف، وفيه خلاف بين العلماء، وهذا هو المذهب الصحيح.

قال في "الفتح": استُدِلّ به على الجهر في صلاة الخسوف بالنهار، وحمله جماعة ممن لَمْ يَرَ بذلك على كسوف القمر، وليس بجيّد؛ لأن الإسماعيليّ رَوَى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد، بلفظ: "كَسَفَت الشمسُ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، فذكر الحديث، وكذا رواية الأوزاعي التي بعده صريحة في الشمس. انتهى.

وقال أيضًا: واستَدَلّ بعضهم على ضعف رواية عبد الرَّحمن بن نَمِر في الجهر بأن الأوزاعيّ لَمْ يذكر في روايته الجهر، وهذا ضعيفٌ؛ لأن من ذكر حجةٌ على من لَمْ يذكر، لا سيما والذي لَمْ يذكره لَمْ يتعرض لنفيه، وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعيّ عند أبي داود، والحاكم، من طريق الوليد بن مَزْيَد عنه، ووافقه سليمان بن كثير وغيره، كما ترى. انتهى (١).

وقال الإمام ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: اختلف أهل العلم في الجهر بالقراءة في صلاة خسوف الشمس:

فقال طائفة: يجهر بالقراءة فيها، فممن رَوينا عنه أنه جهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس علي بن أبي طالب، وفعل ذلك عبد الله بن يزيد، وبحضرته البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه.

وقالت طائفة: لا يجهر في كسوف الشمس بالقراءة، هذا قول مالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، واحتجّ مالك، والشافعيّ بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، حيث قال: "قرأ نحوأ من سورة البقرة"؛ إذ لو كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقراءة لأخبر ابن عباس بالذي قرأه، ولا يحتاج أن يقدّر بنحو سورة البقرة.

واحتجّ من رأى الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف بأن الذي احتجَّ به مالك، والشافعيّ حجة لو لَمْ يأت غيره، وعائشة تخبر أنه جهر بالقراءة، فقبول خبرها أولى؛ لأنَّها في معنى شاهد، فقبول شهادتها يجب، والذي لَمْ يحك


(١) "الفتح" ٣/ ٤٣٧.