الجهر في معنى نافٍ، وليس بشاهد، وقد يجوز أن يكون ابن عباس من الصفوف بحيث لَمْ يسمع قراءة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقدّر ذلك بغيره، وتكون عائشة سمعت الجهر، فأدّت ما سمعت.
وقال إسحاق: لو لَمْ يأت في ذلك سنة لكان الجهرُ أشبه الأمر، تشبيهًا بالجمعة والعيدين والاستسقاء، وكل ذلك نهارًا، قال: وأما كسوف القمر فقد أجمعوا على الجهر في صلاته؛ لأن قراءة الليل على الجهر.
قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: بهذا أقول، يجهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس والقمر. انتهى كلام ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - بتصرّف (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي رجحه ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - من مشروعية الجهر بالقراءة هو الأرجح عندي؛ لصحة حديث الباب، وليس للقائلين بعدم الجهر دليل صريح صحيح، فحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عرفت تأويله آنفًا، وحديث سمرة الذي أخرجه النسائيّ:"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم في كسوف الشمس، لا نسمع له صوتًا"، غير صحيح؛ لأن الراوي عن سمرة - رضي الله عنه - ثعلبة بن عِبَاد لَمْ يرو عنه غير الأسود بن قيس، فهو مجهول، وعلى تقدير صحته فهو مثل حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، وذلك أن يُحمَل على أنه نَفَى عدمَ سماعه لقراة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لبُعده، ولا يلزم من ذلك عدم جهره، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: ذكر الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ -، في "صحيحه" بعد إيراد رواية عبد الرَّحمن بن نَمِر، عن الزهريّ ما نصّه: تابعه سفيان حسين، وسليمان بن كثير، عن الزهريّ في الجهر. انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "تابعه سليمان بن كثير، وسفيان بن حسين، عن الزهري في الجهر"؛ يعني: بإسناده المذكور، ورواية سليمان وصلها أحمد، عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه، بلفظ:"خَسَفَت الشمسُ على عهد النبي - رَحِمَهُ اللهُ -، فأتى النبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، فكبّر، ثم كبر الناس، ثم قرأ، فجهر بالقراءة … " الحديث، ورويناه في مسند أبي داود الطيالسيّ، عن سليمان بن كثير، بهذا الإسناد مختصرًا: أن "النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقراءة في صلاة الكسوف".