وأما رواية سفيان بن حسين، فوصلها الترمذيّ، والطحاويّ، بلفظ:"صَلّى صلاة الكسوف، وجهر بالقراءة فيها".
وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهريّ عُقَيل، عند الطحاويُّ، وإسحاقُ بن راشد، عند الدارقطنيّ، وهذه طرقٌ يَعْضِد بعضها بعضًا يفيد مجموعها الجزم بذلك، فلا معنى لتعليل مَن أعلّه بتضعيف سفيان بن حسين وغيره، فلو لَمْ يَرِد في ذلك إلَّا رواية الأوزاعيّ لكانت كافيةً.
وقد ورد الجهر فيها عن عليّ مرفوعًا وموقوفًا، أخرجه ابن خزيمة، وغيره، وقال به صاحبا أبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن خزيمة، وابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -، وغيرهما من محدثي الشافعية، وابن العربيّ من المالكية، وقال الطبريّ: يُخَيَّر بين الجهر والإسرار.
وقال الأئمة الثلاثة: يُسِرّ في الشمس، ويجهر في القمر، واحتجّ الشافعي بقول ابن عباس:"قرأ نحوأ من سورة البقرة"؛ لأنه لو جهر لَمْ يحتج إلى تقدير.
وتُعُقِّب باحتمال أن يكون بعيدًا منه، لكن ذكر الشافعيّ تعليقًا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف، فلم يسمع منه حرفًا، ووصله البيهقيّ من ثلاثة طُرُق أسانيدها واهية، وعلى تقدير صحتها، فمثبت الجهر معه قدر زائد، فالأخذ به أولى، وإن ثبت التعدد، فيكون فعل ذلك لبيان الجواز، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند ابن خزيمة، والترمذيّ:"لَمْ يسمع له صوتًا"، وأنه إن ثبت لا يدلُّ على نفي الجهر.
قال ابن العربيّ: الجهر عندي أولى؛ لأنَّها صلاة جامعة يُنادَى لها، ويُخطَب، فاشبهت العيد والاستسقاء، والله أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيَّن بما ساقه الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - من الأدلّة كون المذهب الأرجح مذهبَ من قال باستحباب الجهر في قراء صلاة الخسوف؛ لقوّة أدلته، وكون الأحاديث المرويّة بخلافه ضعيفة، أو محتملة للتأويل، كما أسلفت وجهه، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.