للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فإذا قال قائل: السكران ليس بعاقل، فإذا صحا عاد عقله إليه كان صادقًا، مع العلم بأنه ليس بمنزلة البهيمة؛ إذ عقله مستور، وعقل البهيمة معدوم، بل الغضبان ينتهي به الغضب إلى حال يَعْزُب فيها عقله ورأيه، وفي الأثر: إذا أراد الله نفاذَ قضائه وقدره، سَلَب ذوي العقول عقولهم، فإذا أنفذ قضاءه وقدره، رَدَّ عليهم عقولهم ليعتبروا، فالعقل الذي به يكون التكليف لم يُسْلَب، وإنما سُلب العقل الذي به يكون صلاح الأمور في الدنيا والآخرة.

كذلك الزاني والسارق والشارب والمنتهب لم يَعْدَم الإيمانَ الذي به يستحق أن لا يُخَلَّد في النار، وبه ترجى له الشفاعة والمغفرة، وبه يَستحِق المناكحة والموارثة، لكن عَدِم الإيمانَ الذي به يَستحق النجاة من العذاب، ويَستحق به تكفير السيئات، وقبول الطاعات، وكرامة الله ومثوبته، وبه يَستحق أن يكون محمودًا مرضيًّا.

وهذا يُبَيِّن أن الحديث على ظاهره الذي يليق به، والله تعالى أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وبحثٌ أنيسٌ.

وخلاصته أن المنفيّ هو كمال الايمان، لا أصل الإيمان، فمرتكب هذه الكبائر من الزنا والسرقة، والنهب، ونحوها مؤمن ناقص الإيمان، وهو حاصل ما تقدّم عن حبر الأمة وبحرها - رضي الله عنه -، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

وبسندنا المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:

[٢١١] ( … ) - (وحَدَّثَيي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي … "، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِه، يَذْكُرُ مَعَ ذِكْرِ النُّهْبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ "ذَاتَ شَرَفٍ".

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّب، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا إِلَّا النُّهْبَةَ).