للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وضعت يدي عليه، بحيث كنت قادرًا على تحويله، لكن لم يقدّر لي قطفه، ولوأصبته؛ أي: لو تمكنت من قطفه، ويدلّ عليه قوله في حديث عقبة بن عامر عند ابن خزيمة: "أهوى بيده ليتناول شيئًا"، وللبخاري في حديث أسماء - رضي الله عنها -: "حتى لو اجترأت عليها"، وكأنه لم يُؤْذَن له في ذلك، فلم يجترئ عليه، وقيل: الإرادة مقدّرة؛ أي: أردت أن أتناول، ثمَّ لم أفعل، ويؤيده حديث جابر - رضي الله عنه - المتقدّم عند المصنّف: "ولقد مددت يدي، وأنا أريد أن أتناول من ثمرها، لتنظروا إليه، ثمَّ بدا لي أن لا أفعل"، ومثله للبخاريّ في حديث عائشة - رضي الله عنها -، ولفظه: "حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفًا من الجنّة، حين رأيتموني جعلت أتقدّم"، ولعبد الرزاق من طريق مرسلة: "أردت أن آخذ منها قطفًا لأريكموه، فلم يقدّر"، ولأحمد من حديث جابر: "فحيل بيني وبينه".

قال ابن بطال - رحمه الله -: لم يأخذ العُنقود؛ لأنه من طعام الجنة، وهو لا يَفنى، والدنيا فانية، لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى، وقيل: لأنه لو رآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة، لا بالغيب، فيخشى أن يقع رفع التوبة، فلا ينفع نفسًا إيمانها، وقيل: لأنَّ الجنّة جزاء الأعمال، والجزاء بها لا يقع إلا في الآخرة.

وحكى ابن العربيّ - رحمه الله - في "قانون التأويل" عن بعض شيوخه، أنَّه قال: معنى قوله: "لأكلتم منه … إلخ" أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي أكل دائمًا، بحيث لا يغيب عن ذوقه.

وتعقّب بأنّه رأيٌ فلسفيّ مبنيّ على أن دار الآخرة لا حقائق لها، وإنما هي أمثال.

والحقّ أن ثمار الجنة لا مقطوعة، ولا ممنوعة، وإذا قُطعت خلقت في الحال، فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء، والفرق بين الدارين في وجوب الدوام وجوازه.

[فائدة]: بيّن سعيد بن منصور في روايته من وجه آخر، عن زيد بن أسلم أن التناول المذكور كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية. انتهى.

(لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ) قال الطيبيّ - رحمه الله -: الخطاب عامّ في كلّ جماعة يتأتّى منهم