قال الجامع عفا الله عنه: رواية حنش عن علي - رضي الله عنه - هذه ضعّفها أيضًا ابن حبَّان في "صحيحه"(٧/ ٩٩).
والحاصل أن روايته لا تصحّ، كرواية حبيب بن أبي ثابت المذكورة في الباب، كما سيأتي بيان ذلك في المسألة التالية، فتنبّه.
ثمَّ إن هذا الذي قاله البيهقيّ - رحمه الله - من ترجيح رواية من روى أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين كلّ ركعة بركوعين وسجدتين هو الأرجح؛ لقوّة حجته، فإن جلّ الحفاظ هكذا رووه، ومما يوهن الجمع بتعدّد الواقعة كما ذهب إليه من ذكرهم البيهقيّ آنفًا - والظاهر أن مسلمًا منهم حيث أخرج رواية ابن عبّاس - رضي الله عنهما - هذه هنا - كونُ الكسوف في عهده - صلى الله عليه وسلم - لم يقع إلا مرّة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم - رضي الله عنه -، ولا يصحّ وقوعه مرّة أخرى، فبان بذلك أن الجمع المذكور غير مقبول، وأن الصحيح هو الترجيح، كما قاله الشافعيّ - رحمه الله - وغيره من المحقّقين، وقد سبق تحقيق هذا في أوائل "كتاب الكسوف"، فارجع إليه تزدد علمًا، والله تعالى وليّ التوفيق.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا اختُلف في تصحيحه، فمنهم من صححه، كالمصنّف وابن خزيمة، فقد أخرجاه في "صحيحيهما"، والظاهر أنهما إنما صححاه لإمكان حمله على واقعة أخرى، فلا تنافي بينه وبين رواية ابن عبّاس بالماضية أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بأربع ركوعات، وأربع سجدات، ولكن في هذا الحمل نظر؛ لما سيأتي قريبًا.
ومنهم من ضعفه؛ لأنَّ له علّتين:
(إحداهما): أن فيه حبيب بن أبي ثابت، فإنَّه مدلّس، وقد عنعنه.
(والثانية): مخالفته لغيره ممن رَوَى عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -.
قال الإمام ابن حبَّان - رحمه الله - في "صحيحه"(٧/ ٩٨): خبر حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس:"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف الشمس ثماني ركعات، وأربع سجدات"، ليس بصحيح؛ لأنَّ حبيبًا لم يسمع من طاوس هذا الخبر. انتهى.