وقال الحافظ البيهقيّ - رحمه الله - في "سننه"(٣/ ٣٢٧): وحبيب، وإن كان من الثقات، فقد كان يدلّس، ولم أجده ذكر سماعه في هذا الحديث عن طاوس، ويَحْتَمِل أن يكون حمله عن غير موثوق به، عن طاوس، وقد رَوَى سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عبّاس من فعله أنَّه صلاها ست ركعات، في أربع سجدات، فخالفه في الرفع، والعدد جميعًا. انتهى.
وفيه علة أخرى، وهي الشذوذ، فقد روى غير واحد، عن ابن عباس أنها أربع ركعات، وأربع سجدات، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي، أن الصحيح من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - هو ما سبق من طريق الزهريّ، عن كثير بن عبّاس، عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه صلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات، وفي رواية النسائيّ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بأربع ركوعات، وأربع سجدات، وهذا هو الصواب؛ لاتفاق كثير بن عباس، وعطاء بن يسار كما في الحديث الماضي (١) عليه، ولموافقته للأحاديث الصحيحة في هذا الباب.
والحاصل أن حديث حبيب بن أبي ثابت هذا غير صحيح؛ لما ذكر من العلتين.
وأما دعوى إمكان الجمع بحمله على تعدد القصّة، كما قال ابن خزيمة، فيبعده أن الصحيح أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الكسوف مرّة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم - رضي الله عنه -، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤/ ٢١١١](٩٠٨) و [٤/ ٢١١٢](٩٠٩)، (وأبو داود) في "الصلاة"(١١٨٣)، و (الترمذيّ) في "الصلاة"(٥٦٠)، و (النسائيّ) في "الكسوف"(١٤٦٧ و ١٤٦٨) و"الكبرى"(١٨٥١ و ١٨٥٢)، و (أحمد) في "مسنده"(١/ ٢٢٥ و ٣٤٦)، و (الدارميّ) في "سننه"(١٥٣٤)، و (ابن خزيمة) في "صحيحه"(١٣٨٥)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٢٤٥٩ و ٢٤٦٠ و ٢٤٦١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(١) أي: رواية زيد بن أسلم، عن عطاء المذكور في الباب الماضي.