للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سلمة، وقد شَقَّ بصرُهُ، فأغمضه، ثم قال: "إن الروح إذا قبض، تبعه البصر"، فضَجَّ ناس من أهله، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلَّا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون"، ثم قال: "اللَّهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله، يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه"، فتبتين أن الدعاء عند الميت يشمل الدعاء له، وللشخص نفسه، فلا يدعو إلَّا بخير، والله تعالى أعلم.

(فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ) الفاء للتعليل؛ أي: لأن الملائكة … إلخ، والمراد بالملائكة، ملك الموت، وأعوانه، أو عموم الملائكة الذين يحضرون الميت، وهذا أولي، لما أخرجه النسائيّ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إذا حُضِر المؤمنُ أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء … . وإذا احتضر الكافر أتته ملائكة العذاب بِمِسْحٍ … " الحديث (١).

(يُؤَمِّنُونَ) بالتشديد، من التأمين؛ أي: يقولون: آمين (عَلَى مَا تَقُولُونَ") أي: من الدعاء بخير، أو شرّ، ودعاء الملائكة مستجاب، فلا يجوز للشخص أن يدعو بما فيه مضرّة له، أو لغيره.

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "إذا حَضَرتم الميت، فقولوا خيرًا" أمر تأديب، وتعليم بما يقال عند الميت، وإخباز بتأمين الملائكة على دعاءِ مَن هناك، ومن هذا استحبّ علماؤنا أن يحضر الميت الصالحون، وأهل الخير حالة موته


(١) هو ما أخرجه النسائيّ (١٨٣٣) بسند صحيح، عن أبي هريرة، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا حُضِر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيًّا عنك إلى رَوْح الله وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضًا، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشدّ فرحًا به من أحدكم بغائبه يَقْدَم عليه، فيسألونه ماذا فَعَل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دَعُوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا احتُضِر أتته ملائكة العذاب بِمِسْح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطًا عليك إلى عذاب الله - عَزَّ وَجَلَّ -، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار". انتهى.