وصاحبك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله إني رسول الله، وما أدري ما يُفْعَل بي"، فأشفق الناس على عثمان، فلما ماتت زينب ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحقي بسلفنا الصالح الخير، عثمان بن مظعون"، فبكت النساء، فجعل عمر، يضربهن بسوطه، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال:"مهلا يا عمر"، ثم قال:"ابكين، وإياكن، ونعيق الشيطان"، ثم قال:"إنه مهما كان من العين والقلب، فمن الله عز وجل، ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان، فمن الشيطان". انتهى.
قال الحافظ أبو بكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٧: وفيه عليّ بن زيد، وفيه كلام، وهو موثّق. انتهى.
ومنها: ما أخرجه أحمد في "مسنده" عن عائشة: أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر، قالت: فوالذي نفسى بيده، لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حجرتي. انتهى.
قال الجاء عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما ذُكر من هذه الأحاديث الصحيحة الكثيرة، وأقوال أهل العلم، أن البكاء على الميت مباح مطلقًا، قبل الموت، وبعده؛ إذا خلا عن النياحة، وشَقِّ الجيب، وخَمْش الوجه، ونحو ذلك، مما ورد النهي عنه.
ومن هنا يُعلم الجمع بين الأحاديث الواردة في النهي عن البكاء، وإباحته.
وحاصله أن أحاديث النهي عن البكاء مطلقًا، ومقيّدًا بما بعد الموت تُحْمَل على البكاء الذي يفضي إلى ما لا يجوز، من النوح، والصُّرَاخ، وغير ذلك، وأحاديث الإباحة تحمل على مجرّد البكاء الذي هو دمع العين، وما لا يمكن دفعه من الصوت، وقد أشار إلى هذا الجمع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدّم:"ولكن نهيت عن صوتين … ". وقوله في حديث ابن عباس المتقدّم:"إنه مهما كان من العين والقلب، فمن الله عز وجل، ومن الرحمة … ". وقوله في حديث ابن عمر السابق:"إن الله لا يعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب … ". فيكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبكين على هالك بعد اليوم"، وقوله:"فإذا وجب فلا تبكين باكية" النهي عن البكاء الذي يصحبه شيء مما حرّمه الشارع، هذا هو الجمع الصحيح.