للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الزين ابن الْمُنِّير رحمه الله: فائدة هذه الجملة من هذا الخبر بيان عذر هذه المرأة في كونها لم تعرفه، وذلك أنه كان من شأنه أن لا يتخذ بوّابًا مع قدرته على ذلك؛ تواضعًا، وكان من شأنه أنه لا يستتبع الناس وراءه إذا مشى، كما جرت عادة الملوك والأكابر، فلذلك اشتبه على المرأة، فلم تعرفه مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء.

وقال الطيبيّ رحمه الله: فائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها: إنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استَشْعَرت خوفًا وهيبةً في نفسها، فتصورت أن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - مثل الملوك والعظماء، له حاجب، وبوّاب، يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته. انتهى (١).

(فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَعْرِفْكَ) أي: قالت المرأة معتذرة إليه - صلى الله عليه وسلم -: اعذرني من تلك الرّدّة وخشونتها (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ سَلْمَةٍ") أي: الكامل الذي يُوفّى صاحبه الثواب بغير حساب هو الذي حصل عند أول صدمة؛ أي: ضربة يُضربها الشخص، وهو كناية عن أول وقوع المصيبة، وقوله: (أَوْ) للشكّ من الراوي (قَالَ: "عِنْدَ أوَّلِ الصَّدْمَةِ") أي: بالتعريف.

وحاصل المعنى: إذا وقع الثبات أول شيء يَهْجُم على القلب من مقتضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر، وأصل الصَّدْم ضرب الشيء الصلب بمثله، فاستعير للمصيبة الواردة على القلب.

وقال الخطابيّ رحمه الله: المعنى أن الصبر الذي يُحمَد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه إذا طالت الأيام يَسْلُو، ويصير طبعًا، فلا يؤجر عليه.

وحَكَى الخطابيّ عن غيره أن المرء لا يؤجر على المصيبة؛ لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته، وجميل صبره.

وقال ابن بطال رحمه الله: أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك، وفقد الأجر.

وقال الطيبيّ رحمه الله: صدر هذا الجواب منه - صلى الله عليه وسلم - عن قولها: "لم أعرفك"


(١) "الفتح" ٤/ ٢٥.