وحكى الكرمانيّ تفصيلًا آخر، وحسّنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ، وحال يوم القيامة، فيُحْمَل قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر: ١٨] على يوم القيامة، ويُحْمَل هذا الحديث، وما أشبهه على البرزخ، ويؤيّده أن مثل ذلك يقع في الدنيا، والإشارة إليه بقوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: ٢٥]، فإنها دالّة على جواز وقوع التعذيب على الإنسان بما ليس له فيه تسبب، فكذلك يمكن أن يكون حال البرزخ بخلاف حال يوم القيامة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وهذا الذي قاله الكرمانيّ يعارضه ما في بعض الأحاديث من التنصيص بأن ذلك التعذيب إنما يكون في القيامة، فقد أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، مرفوعًا:"من نِيح عليه، فإنه يعذّب بما نيح عليه يوم القيامة".
إذا علمت هذه الأقوال بما لها، وما عليها، فأرجحها عندي ما ذهب إليه الإمام البخاريّ رحمه الله، من أن ذلك إذا كان من سنّته، كما أسلفنا قوله في ذلك.
والحاصل أن هذا التعذيب في حقّ من له تسبب في بكاء أهله عليه، بأن يكون البكاء من سنته وطريقته، أو أوصى به في حياته، أو عَرَف أن أهله سيفعلون ذلك، وأهمل النهي والزجر عنه، وهذا التوجيه أقرب التوجيهات عندي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله المذكور أولَ الكتاب قال:
[٢١٤٣]( … ) - (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"الْمَيِّتُ يُعَذبُ في قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ").
رجال هذا الإسناد: سبعة:
١ - (مُحَفَدُ بْنُ بَشَّارٍ) بُندار، تقدّم في الباب الماضي.