للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ) قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: هذا منه - صلى الله عليه وسلم - إرشاد لمن وقع في كبيرة أو كبائر إلى الطريق التي بها يتخلّص وهي التوبة، ومعنى كونها معروضةً: أي عَرَضَها الله تعالى على العباد، حيث أمرهم بها، وأوجبها عليهم، وأخبر عن نفسه أنه تعالى يقبلها، كلُّ ذلك فضلٌ من الله تعالى، ولُطْفٌ بالعبد؛ لِمَا عَلِمَ اللهُ تعالى من ضعفه عن مقاومة الحوامل على المخالفات التي هي النفس، والهوي، والشيطان الإنسيّ والجنّيّ، فلَمّا علم الله تعالى أنه يقع في المخالفات، رحمه بأن أرشده إلى التوبة، فعرضها عليه، وأوجبها، وأخبر بقبولها، وأيضًا فإنه يجب على النصحاء أن يَعرِضوها على أهل المعاصي، ويُعرِّفونهم بها، ويوجبونها عليهم، وبعقوبة الله تعالى لمن تركها، وذلك كلّه لطفٌ متّصلٌ إلى طلوع الشمس من مغربها، أو إلى أن يُغرغر العبد، كما سيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى. انتهى كلام القرطبيّ (١).

وقال النوويّ رحمه الله تعالى: وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على قبول التوبة ما لَمْ يُغَرْغِر كما جاء في الحديث، وللتوبة ثلاثة أركان: أن يُقْلِع عن المعصية، ويَنْدَم على فعلها، وَيعْزِم أن لا يعود إليها، فإن تاب من ذنب، ثم عاد إليه لَمْ تبطل توبته، وإن تاب من ذنب وهو متلبس بآخر صحت توبته، هذا مذهب أهل الحقّ، وخالفت المعتزلة في المسألتين. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أَوَّلَ الكتاب قال:

[٢١٦] ( … ) - (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَن الْأَعْمَش، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَفَعَهُ، قَالَ: "لَا يَزْنِي الزَّاني … " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ).

رجال هذا الإسناد ستةٌ:

وكلهم تقدّموا قريبًا، و"سفيان" هو الثوريّ.


(١) "المفهم" ١/ ٢٤٨.
(٢) "شرح مسلم" ٢/ ٤٥.