للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أبو عمر بن عبد البرّ: وإن أبو صهيب، أو عمة عاملًا لكسرى على الأُبُلَّة، وكانت منازلهم بأرض الْمَوْصِل، فأغارت الروم عليهم، فسَبَت صهيبًا، وهو غلام، فنشأ بالروم، ثم اشترته كَلْبٌ، وباعوه بمكة لعبد الله بن جُدْعان، فأعتقه، وأما أهله فيزعمون أنه هَرَب من الروم، وقَدِم مكة. انتهى (١).

وهو من السابقين الأولين المعذّبين في الله تعالى، هاجر إلى المدينة، ومات - رضي الله عنه - بها سنة (٣٨)، وتقدّمت ترجمته في "كتاب الإيمان" [٨٦/ ٤٥٦].

وقوله: (وَا أَخَاهْ) "وا" حرف نُدبة، والألف في "أخاه" مزيدة لتطويل مدّ الصوت، والهاء هاء السكت يجوز زيادتها في الوقف، وحذفها، كما قال في "الخلاصة":

وَوَاقِفًا زِدْ هَاءَ سَكْتٍ إِنْ تُرِدْ … وَإِنْ تَشَا فَالْمَدَّ وَالْهَا لَا تَزِدْ

وقوله: ("إِن الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ") قالَ في "الفتح": الظاهر أن الحيّ مَن يقابل الميت، وَيحْتَمِل أن يكون المراد به القبيلة، وتكون اللام فيه بدل الضمير، والتقدير: يُعَذب ببكاء حَيِّه؛ أي: قبيلته، فيوافق قوله في الرواية الأخرى: "ببكاء أهله"، وفي الرواية التالية: "من يُبكى عليه يعذب"، وهي أعمّ، وفيه دلالة على أن الحكم ليس خاصًّا بالكافر، وعلى أن صهيبًا أحدُ من سمع هذا الحديث من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكأنه نسيه، حتى ذَكَّره به عمر - رضي الله عنه -.

قال الزين ابن الْمُنَيِّر رحمه الله: أنكر عمر على صهيب - رضي الله عنهما - بكاءه؛ لرفع صوته بقوله: "وا أخاه"، فَفَهِم منه أن إظهاره لذلك قبل موت عمر - رضي الله عنه - يُشعر باستصحابه ذلك بعد وفاته، أو زيادته عليه، فابتدره بالإنكار لذلك، والله أعلم.

وقال ابن بطال رحمه الله: إن قيل: كيف نَهَى عمر صهيبًا عن البكاء، وأقرّ نساء بني المغيرة على البكاء على خالد؟ (٢).


(١) راجع: "سير أعلام النبلاء" ٢/ ١٧ - ٢٦.
(٢) قصّة خالد هي ما علّقه البخاريّ رحمه الله في "الصحيح" بقوله: وقال عمر - رضي الله عنه -: "دعهنّ يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقعٌ، أو لقلقة"، والنقع: التراب على الرأس، واللقلقة: الصوت. انتهى. =