أيضًا فيه نظرٌ؛ لأن علمهم لا ينافي سمعهم (ثُمَّ قَرَأَتْ) مؤيّدة لما نفته من إخباره - صلى الله عليه وسلم - بسماعهم قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}[النمل: ٨٠]، فقد نفى الله - عَزَّ وَجَلَّ - عنه - صلى الله عليه وسلم - إسماعه الموتى، فكيف يُخبر بسماعهم؟ وفيه أنه إنما نفى إسماعه بنفسه، لا بإسماع الله تعالى له، فهو كقوله تعالى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال: ١٧] وقرأت أيضًا قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[فاطر: ٢٢] ففيه أنه لا يستطيع أن يسمع المقبورين، وفيه أيضًا ما ذُكر قبله.
وقال في "الفتح": وهذا مصير من عائشة - رضي الله عنها - إلى ردّ رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - المذكورة، وقد خالفها الجمهور في ذلك، وقَبِلُوا حديث ابن عمر؛ لموافقة من رواه غيره عليه، وأما استدلالها بالآية، فقالوا: معناها: لا تُسمِعهم سماعًا ينفعهم، أو لا تُسمعهم إلَّا أن يشاء الله.
وقال السهيليّ - رَحِمَهُ اللهُ -: عائشة - رضي الله عنها - لَمْ تحضر قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد قالوا له: يا رسول الله أتخاطب قومًا قد جَيَّفُوا؟، فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، قال: وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين جاز أن يكونوا سامعين، إما بآذان رؤوسهم، كما هو قول الجمهور، أو بآذان الروح على رأي من يوجّه السؤال إلى الروح، من غير رجوع إلى الجسد، قال: وأما الآية، فإنها كقوله تعالى:{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ}[الزخرف: ٤٠]؛ أي: إن الله هو الذي يسمع، ويهدي. انتهى.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقوله: إنها لَمْ تحضر صحيح، لكن لا يقدح ذلك في روايتها؛ لأنه مرسل صحابيّ، وهو محمول على أنَّها سمعت ذلك ممن حضره، أو من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعدُ، ولو كان ذلك قادحًا في روايتها لقدح في رواية ابن عمر، فإنه لَمْ يحضر أيضًا، ولا مانع أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال اللفظين معًا، فإنه لا تعارض بينهما (١).
وقوله:(يَقُولُ: حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ) قال في "الفتح": القائل "يقول" هو عروة، يريد أن يُبَيِّن مراد عائشة - رضي الله عنها -، فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} مُقَيَّد باستقرارهم في النار، وعلى هذا فلا