للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نخرج في جنازة"، وهذا يدلّ على أن رواية أم عطية الأولى من مرسل الصحابة.

وقولها: (وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا) بالبناء للمفعول؛ أي: ولم يُؤَكَّد علينا في المنع، كما أكَّد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كُرِه لنا اتّباعُ الجنائز من غير تحريم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قولها: "ولم يُعزَم علينا أي: لم يُحَرَّم علينا، ولم يُشدَّد علينا، وظاهر كلامها أنهنّ نُهين عن ذلك نهي تنزيه وكراهة، وإلى منع ذلك صار جمهور العلماء؛ لهذا المعنى، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ارجعن مأزورات، غير مأجورات" (١)، وإليه ذهب ابن حبيب، وكرهه مالك للشابّة، وفي الأمر المستنكر، وأجازه إذا لم يكن ذلك، وأجازه علماء المدينة؛ لقولها: "ولم يُعزم علينا". انتهى (٢).

قال في "الفتح" بعد نقل كلام القرطبيّ المذكور: ويدلُّ على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة، من طريق محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في جنازة، فرأى عُمرُ امرأةً، فصاح بها، فقال: "دَعْها يا عمر … " الحديث، وأخرجه ابن ماجه، والنسائيّ من هذا الوجه، ومن طريق أخرى، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سلمة بن الأزرق، عن أبي هريرة، ورجاله ثقات.

وقال المهلَّب: في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من الشارع على درجات، وقال الداوديّ: قولها: "نهينا عن اتّباع الجنائز" أي: إلى أن نصل إلى القبور، وقولها: "ولم يُعْزم علينا" أي أن لا نأتي أهل الميت، فنُعَزِّيهم، ونترحم على ميتهم، من غير أن نتبع جنازته. انتهى.

قال الحافظ رحمه الله: وفي أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظرٌ، نعم هو في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى فاطمة مقبلةً،


(١) أخرجه ابن ماجه، وهو ضعيف؛ لأن في سنده إسماعيل بن سلمان، قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال النسائيّ: متروك الحديث، وضعّفه غيرهما.
(٢) "المفهم" ٢/ ٥٩١ - ٥٩٢.