للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقال: "من أين جئت؟ " فقالت: رحمت على أهل هذا الميت ميتهم، فقال: "لعلك بلغت معهم الْكُدَى؟ "، قالت: لا … الحديث (١)، أخرجه أحمد، والحاكم، وغيرهما، فأَنكَر عليها بلوغ الْكُدَى، وهو بالضم، وتخفيف الدال المقصورة، وهي المقابر، ولم يُنكِر عليها التعزية.

وقال المحب الطبريّ رحمه الله: يَحْتَمِل أن يكون المراد بقولها: "ولم يعزم علينا"؛ أي: كما عُزِم على الرجال بترغيبهم في اتّباعها بحصول القيراط، ونحو ذلك، والأول أظهر، والله أعلم. انتهى ما في "الفتح" (٢)، وهو بحث نفيسٌ.

والحاصل أن الراجح في معنى قولها: "ولم يُعزم علينا" هو المعنى الأول، وهو أن نهيه -صلى الله عليه وسلم- لنا عن اتّباع الجنائز ليس مؤكّدًا كتأكّد سائر المنهيّات التي ذُكرت في تلك البيعة وهي التي اشتملت عليها آية: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} الآية [الممتحنة: ١٢]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) أخرج الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده": (٦٥٣٨) من طريق سعيد بن أبي أيوب، حدثنا ربيعة بن سيف المعافريّ، عن أبي عبد الرحمن الحبليّ، عن عبد الله بن عمرو، قال: بينما نحن نمشي مع رسول الله إذ بصر بامرأة، لا نظنّ أنه عرفها، فلما توجهنا الطريق، وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-رضي الله عنها-، فقال: "ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ " قالت: أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم، وعزَّيتهم، فقال: "لعلك بلغت معهم الْكُدَى؟ " قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها معهم، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، قال: "لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جدّ أبيك". انتهى. وأخرجه أبو داود، والنسائيّ، وقال النسائيّ: ربيعة بن سيف ضعيف، وقال البخاريّ: عنده مناكير، ووثقه العجليّ، وابن حبّان، وقال: يُخطئ كثيرًا، وقال النسائي في رواية: ليس به بأس، وقال الدارقطنيّ: صالح.
والحاصل أن ربيعة هذا مختلف فيه، وضعّف الحديث الشيخ الألبانيّ رحمه الله.
(٢) "الفتح" ٤/ ١٨ - ١٩.