أسماء بنت عُمَيس أنها كانت ممن غسلها، قالت: ومعنا صفيّة بنت عبد المطّلب، ولأبي داود من حديث ليلى بنت قَانِف -بقاف، ونون، وفاء- الثقفيّة، قالت: كنت فيمن غسلها، وروى الطبرانيّ من حديث أم سلمة شيئًا يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضًا. انتهى (١).
(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("اغْسِلْنَهَا) قال ابن بزيزة رحمه الله: استُدِلّ به على وجوب غسل الميت، وهو مبنيّ على أن قوله فيما بعدُ: "إن رأيتنّ ذلك" هل يرجع إلى الغسل، أو العدد؟ والثاني أرجح، فثبت الْمُدَّعَى.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: لكن قوله: "ثلاثًا" ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقّف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد؛ لأن قوله: "ثلاثًا" غير مستقلّ بنفسه، فلا بدّ أن يكون داخلًا تحت صيغة الأمر، فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيتار. انتهى. وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك، ومن ثمّ ذهب الكوفيون، وأهل الظاهر، والمزنيّ إلى إيجاب الثلاث، وقالوا: إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه، ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث، وجاء عن الحسن مثله، أخرجه عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، قال: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء بعدُ فخمسًا، فإن خرج منه شيء غسل سبعًا، قال هشام: وقال الحسن: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج، ولم يُزد على ثلاث. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الكوفيون، والظاهرية، والمزني من وجوب غسل الثلاث، وإن خرج منه شيء يُغسل، ولا يعاد الغسل هو الذي يظهر لي؛ لظاهر حديث الباب، وأما القول بإعادة الغسل فيما إذا خرج منه شيء، فمما لا دليل عليه، بل الظاهر أن يغسل الخارج فقط، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
وقوله:(ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا) وفي رواية عاصم، عن حفصة الآتية: "اغسلنها وترًا، ثلاثًا، أو خمسًا"، و"أو" هنا للتنويع، والنصّ على الثلاث، أو الإشارة