للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخفَّ بأمرها، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبًا.

وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في "المنافق" للجنس، ومنهم من ادَّعَى أنَّها للعهد، فقال: إنه ورد في حقّ شخص معين، أو في حق المنافقين في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعيّن المصير إليه، وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي، قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ارتضاه القرطبيّ هو أن المراد بالنفاق نفاق العمل، واستدل له بقول عمر لحذيفة رضي الله تعالى عنهما: هل تعلم في شيئًا من النفاق؟ فإنه لَمْ يُرِد بذلك نفاق الكفر وإنما أراد نفاق العمل.

قال الإمام الترمذيّ رحمه الله تعالى بعد إخراجه الحديث: وإنما معنى هذا عند أهل العلم نفاقُ العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هكذا رُوي عن الحسن البصري شيء من هذا، أنه قال: النفاق نفاقان: نفاق العمل، ونفاق التكذيب. انتهى كلام الترمذيّ.

فتبيّن بهذا أن الأرجح حمل النفاق على النفاق العمليّ لا الاعتقاديّ، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في بيان الجمع بين حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - هذا، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتي:

(اعلم): أنه عَدّ في هذا الحديث خصال المنافق أربعًا، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - التالي ثلاثًا، وقد تكلّم العلماء في وجه الجمع بينهما:

فقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - استجدّ له من العلم بحالهم ما لَمْ يكن عنده، فأما بالوحي، وإما بالمشاهدة لتلك منهم.

وقال الحافظ رحمه الله تعالى: ليس بين الحديثين تعارض؛ لأنه لا يلزم من عدَّ الخصلة المذمومة، الدالّة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق؛ لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق، والخصلة الزائدة إذا


(١) راجع: "الفتح" ١/ ١٢٦.