٤ - (ومنها): أن هذه الخصال إذا وُجدت في مؤمن كان بها منافقًا نفاقًا عملتًا لا اعتقاديًّا بحيث يَخْرُج بها من الإسلام، ومهما كان الحال فيجب على العاقل أن يجتنبها؛ إذ ربما تجرّه إلى النفاق القلبيّ فيَخْسَر خسرانًا مبينًا، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨]. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في تأويل النفاق المذكور في هذا الحديث:
قال النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث عَدّه جماعة من العلماء مشكلًا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم الْمُجْمَع على عدم الحكم بكفره، قال: وليس فيه إشكال، بل معناه صحيح، والذي قاله المحققون: إن معناه أن هذه خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم.
قال الحافظ: ومُحَصَّل هذا الجواب الحملُ في التسمية على المجاز: أي صاحب هذه الخصال، كالمنافق، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر.
وقد قيل في الجواب عنه: إن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه، وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة رضي الله تعالى عنهما: هل تعلم في شيئًا من النفاق؟ فإنه لَمْ يُرِد بذلك نفاق الكفر وإنما أراد نفاق العمل، ويؤيده وصفه بالخالص في قوله:"كان منافقًا خالصًا".
وقيل: المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وأن الظاهر غير مراد، وهذا ارتضاه الخطابي.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ارتضاه الخطابي غير مرضيّ عندي؛ إذ هو مخالف لظاهر النصّ، فإنه صريح في إرادة النفاق حقيقة، لكن النفاق مراتب، والمراد هنا النفاق العمليّ كما سبق في كلام القرطبيّ، فتنبّه.
وذكر الخطّابيّ أيضًا أنه يحتمل أن المتصف بذلك، هو من اعتاد ذلك، وصار له ديدنًا، قال: ويدل عليه التعبير بـ "إذا"، فإنها تدل على تكرر الفعل. كذا قال، والأَولى ما قال الكرماني: إن حذف المفعول مِنْ "حَدَّثَ" يدلُّ على العموم: أي إذا حدّث في كلّ شيء كَذَب فيه، أو يصير قاصرًا: أي إذا وَجَدَ ماهية التحدّث كَذَبَ.