فإن ضاق عن العورة سُترت السوأتان؛ لأنهما أهمّ، وهما الأصل في العورة.
وقد يُسْتَدَلُّ بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط، ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن.
[فإن قيل]: لم يكونوا متمكنين من جميع البدن؛ لقوله:"لم يوجد له غيرها".
فجوابه أن معناه: لم يوجد مما يَملِك الميت إلا نمرة، ولو كان ستر جميع البدن واجبًا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه، إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته، فإن كان وجب عليه.
[فإن قيل]: كانوا عاجزين عن ذلك؛ لأن القضية جرت يوم احد، وقد كثرت القتلى من المسلمين، واشتغلوا بهم، وبالخوف من العدوّ، وغير ذلك.
فجوابه أنه يبعد من حال الحاضرين المتولِّين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب، ونحوها. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ، وهو حسنٌ، والله تعالى أعلم.
٤ - (ومنها): ما كان عليه السلف، من الصدق في وصف أحوالهم.
٥ - (ومنها): أن الصبر على مكابدة الفقر، وصعوبته من منازل الأبرار.
٦ - (ومنها): أن هجرة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم تكن لدنيا، يصيبونها، ولا نعمة يتعجّلونها، وإنما كانت خالصة لله تعالى؛ ليثيبهم عليها في الآخرة أجرًا عظيمًا، كما وعدهم بذلك، فمن مات منهم قبل فتح البلاد توفّر له ثوابه، ومن بقي حتى نال من طيبات الدنيا خَشِيَ أن يكون عُجّل له أجر طاعته، كما ثبت في قصة عبد الرحمن بن عوف، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه"، فقال:
(١٢٧٥) - حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، أن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، أُتي بطعام، وكان صائمًا، فقال: قُتل مصعب بن عُمير، وهو خير مني، كُفّن في بُردة، إن غُطِّي رأسه، بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه، بدا رأسه، وأُراه قال: وقُتل حمزةُ، وهو خير مني، ثم بُسط لنا، من الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خَشِينا أن تكون حسناتنا، عُجِّلت لنا، ثم جَعَل يبكي، حتى ترك الطعام.