للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبالجملة فكانوا أحرص الناس على نعيم الآخرة، رضي الله تعالى عنهم، وعنّا معهم برحمته، إنه أرحم الراحمين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الكفن من أين يُخرَج؟:

قال الإمام ابن المنذر رَحِمَهُ اللهُ: "ذِكْرُ إخراج الكفن قبل قضاء الديون، والوصايا، والمواريث": اختلفوا في الكفن من أين يُخرَج؟ فقال أكثر أهل العلم: يُخرَج من جميع المال، هكذا قال سعيد بن المسيّب، وعطاء، ومجاهد، والحسن البصريّ، وعمرو بن دينار، والزهريّ، وعُمر بن عبد العزيز، وقتادة، ومالك، وسفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وابن الحسن، وروينا ذلك عن الشعبيّ، والنخعيّ، قال: وبهذا نقول؛ لأن خبر مصعب بن عُمير -رضي الله عنه- دليل على ذلك، وهو قوله: "لم يترك إلا نمرة، كُفّن فيها".

قال: وفي المسألة قولان شاذّان: أحدهما قول خِلَاس بن عمرو: إن الكفن من الثلث.

والقول الثاني قول طاوس: إن الكفن من جميع المال، وإن كان المال قليلًا، فمن الثلث، وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنه- في قصة المحرم الذي مات دليل على أن الكفن من رأس المال، وهو قوله: "وكفّنوه في ثوبيه". انتهى كلام ابن المنذر رَحِمَهُ اللهُ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رَحِمَهُ اللهُ حسنٌ جدًا.

وحاصله أن الكفن من جميع المال، وأنه مقدّم على الدين والوصية؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نصّ على تكفين مصعب بتلك النَّمِرَة، ولم يستفصل، هل عليه دين، أو وصية، أم لا؟ وكذلك في قصّة المحرم، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- وقد ثبت عن الإمام الشافعيّ رَحِمَهُ اللهُ مقالته المشهورة وهي، قاعدةٌ مسلّمة لَدَى المحقّقين في باب الاستدلال، وهي: "تركُ الاستفصال، في حكاية الحال، مع


(١) "الأوسط" ٥/ ٣٦٢ - ٣٦٣.