للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن النهي كان لترك الصلاة، ولم يَنْهَ عن مجرّد الدفن بالليل، وإنما نَهَى لترك الصلاة، أو لقلة المصلين، أو عن إساءة الكفن، أو عن المجموع، كما سبق. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (١).

وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: أخذ به الحسن، فكره أن يُقبر الرجل بالليل، إلا لضرورة، وذهب الجمهور إلى جواز ذلك، وكانهم رأوا أن ذلك النهي خاصّ بذلك الرجل؛ لئلا تفوته صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: يمكن أن يقصدوا بدفنه بالليل ستر إساءة ذلك الكفن الغير الطائل.

قال: وهذه التأويلات فيها بُعْدٌ، ولا تصلح لدفع ذلك الظاهر؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما صدر عنه النهي المطلق بعد دفن الرجل بالليل، فقد تناول النهي غيره قطعًا، فتامله.

ويمكن أن يُعضد مذهب الحسن بانه إن قبر ليلًا قلّ المصلون عليه؛ لأن عادة الناس في الليل ملازمة بيوتهم، ولا يتصرفون فيه، ولأنه إذا قبر ليلًا تسومح في الكفن؛ لأن الليل يستره، ودل على صحته قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كفّن أحدكم أخاه، فليُحسن كفنه". انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الحسن البصريّ رَحِمَهُ اللهُ، هو الأرجح عندي، كما مال إليه القرطبيّ؛ لظاهر حديث الباب.

وقد جاء النهي أيضًا عن الدفن في الأوقات الثلاثة: طلوع الشمس، والاستواء، وغروب الشمس، فقد تقدّم للمصنّف حديث عقبة بن عامر الجهنيّ -رضي الله عنه- قال: ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهنّ، أو أن نقبر فيهنّ موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً، حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّف الشمس للغروب حتى تغرب.

قال أبو محمد بن حزم رَحِمَهُ اللهُ: ولا يجوز أن يُدفَن أحدٌ ليلًا إلا عن ضرورة، ولا عند طلوع الشمس حتى ترتفع، ولا حين استواء الشمس حتى تأخذ في الزوال، ولا حين ابتداء أخذها في الغروب، ويتصل ذلك بالليل إلى طلوع الفجر الثاني، قال: وكل من دُفِن ليلًا منه -صلى الله عليه وسلم-، ومن أزواجه، ومن


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١١.
(٢) "المفهم" ٢/ ٦٠١ - ٦٠٢.