أصحابه -رضي الله عنهم- فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك، من خوف زحام، أو خوف الحرّ، على من حضر، وحرُّ المدينة شديد، أو خوف تغير، أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلًا، لا يحلّ لأحد أن يَظُنّ بهم -رضي الله عنهم- خلاف ذلك، قال: رَوَينا من طريق يحيى بن سعيد القطان، ثنا هشام الدستوائيّ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيِّب أنه كَرِه الدفن ليلًا. انتهى كلام ابن حزم رَحِمَهُ اللهُ، وهو تحقيق نفيسٌ.
والحاصل أن الأرجح المنع عن الدفن في هذه الأوقات؛ لقوّة دليله، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في أقوال أهل العلم في تحسين الكفن:
قال الإمام ابن المنذر رَحِمَهُ اللهُ: وبحديث جابر قال الحسن البصريّ، وابن سيرين.
قال: وقد رَوَينا عن حذيفة -رضي الله عنه- أنه قال: لا تغالوا بكفني، فإن يك لصاحبكم عند الله خير بُذلَ كسوةً خيرًا من كسوتكم، وإلا سُلبه سريعًا.
قال: وكان إسحاق يقول: لا تغالوا بالكفن؛ إذا كان في حياته صاحب إعواز، فإن ذلك مما يُجحف بالورثة، وإن كان صاحب يسار، فَغَالَى فهو جائز.
وقد أوصى ابن مسعود أن يكفّن في حلّة بمئتي درهم.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يبعثون فيها يوم القيامة.
وروينا عن معاذ بن جبل أنه قال: أحسنوا أكفان موتاكم، فإن الموتى يحشرون في أكفانهم.
وقال محمد ابن الحنفية: ليس للميت في الكفن شيء، ولكنه تكرمة للحيّ. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بتحسين الكفن هو الحقّ، كما دلّ عليه حديث جابر -رضي الله عنه- المذكور في الباب، ولكن ليس معناه أن يُغالَى فيه، بل أن يكون نظيفًا، نَقيًّا، كثيفًا، ساترًا إلى آخر ما تقدم في كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: حديث: "لا تغالوا في الكفن، فإنه يُسلَب سريعًا"، رواه أبو