مالك: رُوي: "تقدّمونه إليها" فانث الضمير على تأويل الخير بالرحمة، أو الحسنى. انتهى.
وقال القاري رَحِمَهُ اللهُ؛ أي: فإن كان حال ذلك الميت حسنًا طيّبًا، فأسرعوا به حتى يصل إلى تلك الحالة الطيّبة عن قريب. انتهى.
(وَإِنْ تَكُنْ) وفي بعض النسخ: "وإن تك" بحذف النون كالأول، وكلاهما جائز، كما أسلفته آنفًا في قول ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ:
وَهْوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ
(غَيْرَ ذَلِكَ) أي: غير صالحة؛ يعني: أنه إن كانت الجنازة غير صالحة (فَشَرٌّ) إعرابه كإعراب نظيره، وهو قوله: "فخير" الما ضي (تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ") أي: فلا مصلحة لكم في مصاحبتها، وملابستها؛ لأنها بعيدة عن رحمة الله تعالى.
[تنبيه]: في هذا الحديث تعليل الأمر بالإسراع بتقديم الصالحة إلى الخير، والتعجيل بوضع غير الصالحة عن الرقاب، وقد أشير في حديث آخر إلى تعليل بعلة أخرى، وهي مخالفة أهل الكتاب، أو اليهود خاصّة.
فقد أخرج الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ في "مسنده" عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تبع جنازة، قال: "ابسطوا بها، ولا تَدِبُّوا دَبيب اليهود بجنائزها".
وفي "مصنّف ابن أبي شيبة"، عن عمران بن حُصين -رضي الله عنهما-، أنه أوصى: "إذا أنا متّ، فأسرعوا، ولا تُهوّدوا، كما تُهوّد اليهود والنصارى".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أنه سمع رجلًا يقول: ارفقوا بها رحمكم الله، فقال: هوّدوا، لتسرعوا بها، أو لأرجعنّ.
وعن إبراهيم النخعيّ: كان يقال: ابسطوا بجنائزكم، ولا تدبّوا بها دبّ اليهود، وعن علقمة: لا تدبّوا بالجنازة دبيب النصارى.
فهذه الآثار تبيّن سبب الأمر بالإسراع، ولا مانع من التعليل بالأمرين.
والحاصل أن السنّة الإسراع في المشي بالجنازة؛ لأجل ما دلّت عليه الأحاديث المذكورة، وسيأتي تمام البحث في أقوال العلماء في ذلك في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى- والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.