وقال الكرمانيّ رحمه الله تعالى ما حاصله: عدّ جماعة من العلماء هذا الحديث مشكلًا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المصدّق بقلبه ولسانه، مع أن الإجماع حاصل على أنه لا يحكم بكفره، ولا بنفاق يجعله في الدرك الأسفل من النار.
ثم قال: فلدفع الإشكال سبعة أوجه: لأن اللام إما للجنس، فهو إما على سبيل التشبيه، أو أن المراد الاعتياد، أو معناه الإنذار، وإما للعهد، إما من منافقي زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإما من منافق خاصّ بشخص بعينه، أو المراد بالنفاق النفاق العمليّ، لا النفاق الإيمانيّ؛ إذ النفاق نوعان، وقال أيضًا: وأحسن الوجوه أن يقال: النفاق شرعيّ، وهو أن يُبطن الكفر ويُظهر الإسلام، وعرفيّ، وهو أن يكون سرّه خلاف علانيته، وهو المراد هنا - إن شاء الله تعالى -.
ويُحكى أن رجلًا من البصرة قَدِمَ مكة حاجًّا، فجلس في مجلس عطاء بن أبي رباح، فقال: سمعت الحسن يقول: من كان فيه ثلاث خصال لَمْ أتحرّج أن أقول له منافق، فقال له عطاء: إذا رجعت إلى الحسن، فقل له: إن عطاءً يقرئك السلام، ويقول لك: ما تقول في بني يعقوب - عَلَيْهِ السَّلَام - إخوة يوسف؛ إذ حدّثوا فكَذَبوا، ووعدوا فأخلفوا، وائتُمنوا فخانوا، أفكانوا منافقين؟ فلما قال هذا للحسن، سُرّ الحسن به، وقال: جزاك الله خيرًا، ثم قال لأصحابه: إذا سمعتم مني حديثًا، فاصنعوا مثل ما صنع أخوكم، حَدِّثوا به العلماء، في كان منه صوابًا فحسنٌ، وإن كان غير ذلك رُدّوا عليّ جوابه. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في بيان تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا في "الإيمان"[٢٧/ ٢١٨ و ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١](٥٩)، و (البخاريّ) في "الإيمان"(٣٣)، و"الشهادات"(٢٦٨٢)، و"الوصايا"
(١) راجع: "شرح الكرماني على البخاريّ" ١/ ١٤٨ - ١٤٩.