للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٢ - (ومنها): واستُدِلَّ بقوله: "من تَبعَ" على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها؛ لأن ذلك هو حقيقة الاتباع حسًّا.

قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: الذين رجحوا المشي أمامها حملوا الاتّباع هنا على الاتباع المعنويّ؛ أي: المصاحبة، وهو أعمّ من أن يكون أمامها، أو خلفها، أو غير ذلك، وهذا مجاز يَحتاج إلى أن يكون الدليل الدالّ على استحباب التقدّم راجحاً. انتهى. وسيأتي تحقيق القول في ذلك، وبيان اختلاف العلماء فيه، وترجيح الراجح بدليله في المسألة التألية - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في المشي أمام الجنازة وخلفها:

قال الإمام ابن المنذر - رحمه الله -: قد اختلفوا في ذلك، فممن كان يرى المشي أمام الجنازة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وأبو هريرة، والحسن بن عليّ، وابن الزبير، وأبوأُسَيد الساعديّ، وأبو قتادة، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لقد كنّا مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نمشي بين يدي الجنازة، ولا يرون بذلك بأساً، وهو قول عُبيد بن عُمير، وشُريح، والقاسم بن محمد، وسالم، والزهريّ، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، واحتَجَّ بتقديم عمر بن الخطاب الناس أمام جنازة زينب بنت جحش (١).

وقال أصحاب الرأي: لا بأس بالمشي قدّامها، والمشيُ خلفها أحبّ إلينا، وقال إسحاق ابن راهويه: يتأخر أحبّ إلينا، وقد رَوَينا عن عليّ أنه مشى خلفها، وسئل الأوزاعيّ عن المشي أمام الجنازة؟ فقال: هو سعة، والأفضل عندنا خلفها.

وقالت طائفة: إنما أنتم مُتَّبِعُون، تكونون بين يديها، وخلفها، وعن


(١) قال ابن المنذر: حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوريّ، عن محمد بن المنكدر، قال: أخبرني شيخ لنا يقال له: ربيعة بن عبد الله بن الحدير، قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس يقدّمهم أمام جنازة زينب بنت جحش. انتهى. وإسناده صحيح، وربيعة بن عبد الله من رجال البخاريّ.