للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ - رحمه الله -: قيل: سبب هذا الاختلاف اختلافُ السؤال، وذلك أنه سُئل مرّة عمن صلّى عليه مائة، واستشفعوا له؟ فقال: "شُفِّعوا"، وسئل مرّة أخرى عمن صلى عليه أربعون، فأجاب بذلك، ولو سئل عن أقلّ من ذلك لقال ذلك، والله أعلم؛ إذ قد يستجاب دعاء الواحد، ويُقبل استشفاعه، وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من صلّى عليه ثلاثة من الصفوف شفعوا له" (١)، ولعلّهم يكونون أقلّ من أربعين. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله - بعدما نقل عن القاضي عياض نحو ما ذكره القرطبيّ ما نصّه: ويَحْتَمِل أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أُخبِر بقبول شفاعة مائة، فأَخبَر به، ثم بقبول شفاعة أربعين، ثم بثلاثة صفوف، وإن قلّ عددهم، فأخبر به.

وَيحْتَمِل أيضاً أن يُقال: هذا مفهوم عدد، ولا يَحتجّ به جماهيُر الأصوليين، فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة منع ما دون ذلك، وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف، وحينئذ كلّ الأحاديث معمول بها، وتحصل الشفاعة بأقلّ الأمرين، من ثلاثة صفوف، وأربعين. انتهى (٣).

(كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ) من باب نَفَعَ يَنفَعُ، والشفاعةُ معناها الطلب؛ أي: يسألون له من الله تعالى التجاوز عن ذنوبه، وجرائمه، والجملة في محلّ نصب على الحال (إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ") بتشديد الفاء، مبنيًّا للمفعول؛ أي: إلا قُبلت شفاعتهم في ذلك الميت (قَالَ) القائل هو سلّام بن أبي مطيع، كما صرّح به في رواية النسائيّ (فَحَدَّثْتُ بِهِ)؛ أي: بهذا الحديث الذي حدّثني به أيوب السختيانيّ (شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَاب، فَقَالَ) شعيب (حَدَّثَنِى بِهِ)؛ أي: بهذا الحديث (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) - رضي الله عنه - (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: فاتّفق على روايته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة، وأنس - رضي الله عنهما -، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) أخرجه أبو داود، والترمذيّ، وحسّنه، وابن ماجه، ولفظ أبي داود: "ما من مسلم، يموت، فيصلي عليه ثلاثة صفوف، إلا أوجب"، وهو وإان حسّنه الترمذيّ، إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلّس، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(٢) "المفهم" ٢/ ٦٠٥ - ٦٠٦.
(٣) "شرح مسلم" ٧/ ٢٠ - ٢١.