للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَجَبَتْ، وَجَبَتْ")؛ أي: ماذا تعني بقولك: "وجبت" في هاتين الجنازتين؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ) يعني أن المراد بقوله: "وجبت"؛ أي: الجنّة لذي الخير، والنار لذي الشرّ، والمراد بالوجوب الثبوت؛ إذ هي في صحّة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله، لا يسأل عما يفعل.

ورواية المصنّف بلفظ: "من أثنيتم إلخ" أبين في العموم من رواية البخاريّ، بلفظ: "هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبت له النار".

وفيها ردٌّ على من زعم أن ذلك خاصّ بالميتين المذكورين، لغيب أطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عليه، فالصواب أنه خبر عن حكم أعلمه الله تعالى به، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أثنيتم شرًّا … إلخ دا يُشكل عليه النهي عن سبّ الأموات، فقد أخرج النسائيّ بإسناد صحيح عن عائشة - رضي الله عنهما - قالت: ذُكِر عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هالكٌ بسوء، فقال: "لا تذكروا هلكاكم إلا بخير وأجيب عن هذا الإشكال بأوجه:

(أحدهما): أن الذي تُحُدّث عنه بالشرّ كان مستظهراً له، ومشهوراً به.

(الثاني): أنّ محمل النهي إنما هو فيما بعد الدفن، وأما قبله، فيجوز؛ ليتعظ به الفسّاق، وهذا كما يُكره لأهل الفضل الصلاة على الْمُعْلِن بالبدَع والكبائر.

(الثالث): أن الذي أثنى عليه الصحابة بالشرّ يَحْتَمِل أن يكون من المنافقين، ظهرت عليه دلائل النفاق، فشهدت الصحابة بما ظهر لهم، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت له النار"، والمسلم لا تجب له النار، وهذا هو مختار القاضي عياض - رحمه الله -.

(الرابع): أن النهي عن سبّ الأموات متأخر عن هذا الحديث، فيكون ناسخاً، أفاده القرطبيّ - رحمه الله -.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أقرب الأوجه هو الأول، وأبعدها