واختلفوا فيما سواها، كان حكم ما اختلفوا فيه حكمَ ما أجمعوا عليه. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله بتصرّف (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله ابن المنذر رحمه الله، من استحباب رفع اليدين في جميع التكبيرات هو الأرجح عندي؟ لأنه لم يثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خلافه، وصحّ عن ابن عمر، موقوفًا عليه، أخرجه البخاريّ في "جزء رفع اليدين " بسند صحيح، ولم يثبت لدينا مخالفة الصحابة له في ذلك، فدلّ مع شدة اتباع ابن عمر لآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله اتباعًا، لا سيّما، وقد رُوي عنه مرفوعًا أيضًا، وإن رجّح الدارقطنيّ وقفه.
والحاصل أن الأرجح مشروعيّة رفع اليدين في جميع تكبيرات الصلاة على الجنازة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): في اختلاف أهل العلم في وجوب القراءة في صلاة الجنازة: قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: اختلف أهل العلم في قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة على الجنازة، فكان ابن عباس يقول: ذلك من السنّة، وروينا عن ابن مسعود أنه قرأها، وروي ذلك عن ابن الزبير، وعُبيد بن عُمير. وبه قال الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.
قال: وروينا عن المسور بن مخرمة أنه صلى جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى، وسورة قصيرة، ورفع بها صوته، فلما فرغ قال: لا أجهل أن تكون هذه صلاة عجماء، ولكنّي أردت أن أعلّمكم أن فيها قراءة. وروينا عن الحسن بن عليّ أنه قرأ في الصلاة على الجنازة بفاتحة الكتاب ثلاث مرّات. وعن الحسن البصريّ مثله.
وقالت طائفة: ليس في الصلاة على الجنائز قراءةٌ، هذا قول ابن سيرين، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جُبير، وسعيد بن المسيّب، والشعبيّ، ومجاهد، والحكم، وحماد، ومالك بن أنس، وسفيان، وأصحاب الرأي، وكان ابن عمر لا يقرأ في الصلاة على الجنائز، وروي ذلك عن أبي هريرة -رضي الله عنهم-.