وقال مالك: لا يصلى على قبر، وروي ذلك عن إبراهيم النخعيّ.
وقال الشافعيّ، والأوزاعيّ، وأبو سليمان -يعني داود الظاهري-: يصلى على القبر، وإن كان قد صُلِّي على المدفون فيه، وقد روي هذا عن ابن سيرين.
وقال أحمد بن حنبل: يصلى عليه إلى شهر، ولا يُصلَّى عليه بعد ذلك.
وقال إسحاق: يصلي الغائب على القبر إلى شهر، ويصلي عليه الحاضر إلى ثلاث.
ثم أخرج بسنده حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (١).
قال: فادَّعَى قوم أن هذا الكلام منه - صلى الله عليه وسلم - دليل على أنه خصوص له، قال: وليس كما قالوا، وإنما في هذا الكلام بركة صلاته - صلى الله عليه وسلم -، وفضيلتها على صلاة غيره فقط، وليس فيه نهي غيره عن الصلاة على القبر أصلًا، بل قد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الآية [الأحزاب: ٢١].
ثم أورد مما يدلّ على بطلان دعوى الخصوص حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المتقدّم، ثم قال: فهذا أبطل الخصوص؛ لأن أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وعليهم رضوان الله صلّوا معه على القبر، فبطلت دعوى الخصوص، ثم أخرج عن ثابت، عن أنس - رضي الله عنه - المذكور قبل هذا: "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر".
قال: فهذه آثار متواترة لا يسع الخروج عنها.
وأورد أيضًا أن عائشة قَدِمت مكة بعد أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت: أين قبر أخي؟ فدُلَّت عليه، فوُضِعَت في هودجها عند قبره، فصلت على قبره.
وعن نافع عن ابن عمر، أنه قَدِم، وقد مات أخوه عاصم، فقال: أين قبر أخي؟ فدُلّ عليه، فصلى عليه، ودعا له.
وعن عليّ - رضي الله عنه - أنه أمر قَرَظَة بن كعب الأنصاريّ أن يصلي على قبر سهل بن حُنَيف بقوم جاؤوا بعدما دفن، وصلى عليه.
وعن عليّ - رضي الله عنه - أيضًا أنه صلى على جنازة بعدما صلي عليها.
(١) وأخرجه أيضًا البخاريّ، مختصرًا.