(فَقُومُوا لَهَا) فيه الأمر بالقيام للجنازة؛ إذا رآها الشخص، وإن لم يقصد تشييعها، والمراد عموم كلّ جنازة، من مؤمن وغيره، كما سيأتي أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قام لجنازة يهوديّ مرّت به، وعلّل ذلك بأنها نفس، وفي رواية بأن الموت فَزَعٌ، وقوله:(حَتى تُخَلِّفَكُمْ) بتشديد اللام المكسورة، من التخليف؛ أي: تترككم وراءها، ونسبة ذلك إلى الجنازة على سبيل المجاز؛ لأن المراد حاملها، وقوله:(أَوْ تُوضَعَ)"أو" هنا ليست للشكّ، وإنما هي للتنويع، فإن من رأى الجنازة، إما أن لا يتبعها، فهذا يقوم حتى تتجاوزه، ويكون وراءها، أو توضع عنده، بأن كان في المصلَّى، وإما أن يتبعها، فهذا لا يجلس حتى توضع.
[تنبيه]: قوله: "أَوْ تُوضَعَ" يَحْتَمِل أن يكون المراد حتى توضع على الأرض، أو توضع في اللحد.
وقد رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - باللفظين، إلا أن البخاريّ أشار إلى ترجيح رواية:"حتى توضع بالأرض"، حيث قال:"بابٌ مَن تَبعَ جنازة، فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال"، وصرّح أبو داود بترجيحها، حيث قال بعد رواية حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - الآتي من طريق سهيل بن أبي صالح، بلفظ:"إذا تبعتم الجنازة، فلا تجلسوا حتى توضع" ما نصّه: ورَوَى الثوريّ هذا الحديث، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال فيه:"حتى توضع بالأرض"، ورواه أبو معاوية، عن سهيل، قال:"حتى توضع في اللحد"، وسفيان أحفظ من أبي معاوية. انتهى.
وكذا قال الأثرم، قال الحافظ رحمه الله: ورواه جرير، عن سهيل؛ أي عن أبي صالح، عن أبي سعيد، فقال:"حتى توضع" حسبُ، وزاد سهيل: ورأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال، أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" بهذه الزيادة، والبيهقيّ (٤/ ٢٦) وهو في مسلم بدونها.
قال الحافظ: ورَجَحَتْ روايةُ "حتى توضع بالأرض" عند البخاريّ بفعل أبي صالح؛ لأنه رواي الخبر، وهو أعرف بالمراد منه، ورواية أبي معاوية مرجوحة، كما قال أبو داود. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.