للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَن كان معها، أو مشاهدًا لها، وأما من مرّت به، فليس عليه القيام إلا قدر ما تمرّ عليه، أو توضع عنده بأن يكون بالمصلَّى مثلًا. وروى أحمد من طريق سعيد ابن مَرْجَانة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "من صلى على جنازة، فلم يمش معها، فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها، فلا يجلس حتى توضع".

وفي هذا السياق بيان لغاية القيام، وأنه لا يختصّ بمن مرّت به، ولفظ القيام يتناول من كان قاعدًا، فأما من كان راكبًا، فيَحْتَمِل أن يقال: ينبغي له أن يَقِفَ، ويكون الوقوف في حقّه كالقيام في حقّ القاعد. انتهى (١).

٦ - (ومنها): أنه يستفاد من قوله في هذا الحديث: "فإن لم يكن ماشيًا معها … إلخ"، وكذا في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - لآتي: "فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع" على أن شهود الجنازة لا يجب على الأعيان، ووجه ذلك أنه يدلّ على أن من لم يتبعها لا يقوم إلى أن توضع، بل حتى تخلّفه، فدلّ على أنه إن شاء اتبعها، ولا يجلس حتى توضع، وإن شاء لم يتبعها، ولكن يقوم حتى تخلّفه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم القيام للجنازة:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: قد اختلفوا في القيام للجنائز إذا مرّت، فقالت طائفة: يقوم لها، فعل ذلك أبو مسعود البدريّ، وأبو سعيد الخدريّ، وقيس بن سعد، وسهل بن حُنيف، وسالم بن عبد الله.

ورأت طائفة أن لا يقوم المرء للجنازة تمرّ به، مُرَّ على سعيد بن المسيّب بجنازة، فلم يقم لها، وكان عروة بن الزبير يَعيب من يفعل ذلك، وقال مالك: ليس على الرجل أن يقوم للجنازة إذا رآها، ولا يقعد حتى تجاوزه، مسلمًا كان، أو كافرًا، وقال الشافعيّ: لا يقوم للجنازة من لا يشهدها، والقيام لها منسوخ، وقال أحمد: إن قام لم يقعد، وإن قعد فلا بأس، وكذلك قال إسحاق، وقال أحمد: قوله: "فليقم" إنما ذا على القاعد يقوم، وقال أحمد: من قام للجنازة فذاك، ومن لم يقم ذهب إلى حديث عليّ - رضي الله عنه -: "قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقمنا، وقعد، فقعدنا"، قال أبو عبد الله: أما أنا فلا أقوم.


(١) "الفتح" بتصرّف ٣/ ٥٣٣.