٦ - (ومنها): ما قاله في "الفتح": وهذا يقتضي أن من قال لآخَرَ: أنت فاسق، أو قال له: أنت كافر، فإن كان ليس كما قال، كان هو المستحقَّ للوصف المذكور، وأنه إذا كان كما قال: لَمْ يرجع عليه شيء؛ لكونه صَدَقَ فيما قال، ولكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقًا، ولا كافرًا أن لا يكون آثمًا في صورة قوله له: أنت فاسقٌ، بل في هذه الصورة تفصيل، إن قَصَدَ نُصْحَه، أو نصح غيره ببيان حاله جاز، وإن قصد تعييره وشهرته بذلك، ومَحْضَ أذاه لَمْ يجز؛ لأنه مأمور بالسَّتْر عليه، وتعليمه، وعِظَته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرفق لا يجوز له أن يفعله بالعنف؛ لأنه قد يكون سببًا لإغرائه، وإصراره على ذلك الفعل، كما في طبع كثير من الناس من الأنَفَة، لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في المنزلة. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فقد باء بها أحدهما":
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: في هذا الحديث إشكال من حيث إن المسلم الْمُصَدّق لا يَكْفُر عند أهل الحق بهذا وأمثاله، فمِن أهل العلم من حمله على المستحل لذلك، ومنهم من قال: معناه رَجَعَت عليه نقيصته لأخيه، إذا لَمْ يكن كما قال بكذبه عليه.
وهذان الوجهان مباعدان لظاهر الحديث.
ومنهم من حمله على الخوارج المكفِّرين للمؤمنين، وهذا يأباه كون الصحيح أن الخوارج لا يُكَفَّرون، وإن كُفِّرُوا فلا فرق في تكفيرهم بين أن يكون المقول له ذلك كافرًا، أو لا يكون.
فأقول - والله أعلم -: إن لَمْ يكن أخوه كافرًا كما قال رجع عليه تكفيره، فليس الراجع إليه هو الكفر، بل التكفير، وذلك لأن أخاه إذا كان مؤمنًا، وقد جعله هو كافرًا، مع أن المؤمن ليس بكافر، إلَّا عند من هو كافر من يهوديّ أو نصراني أو غيرهما، فقد لَزِمَ من ذلك كونه مُكَفِّرًا لنفسه؛ ضرورةً لتكفيره من لا