يُكَفِّره إلَّا كافر، ويكون الضمير في قوله:"فقد باء بها"، بوَصْمَة التكفير، ومَعَرَّته، أي إنها لاصقة بأَوْلاهما بها، وهو المقول له إن كان كما قيل، وإلا فالقائل.
وهذا معنى صحيحٌ غير مباعد لظاهر الحديث، فإن يكن قد قاله أحد سَبَقَ فأحرى له، وإلا فهو مما تركه الأول للآخر - ولله الحمد كله، وهو أعلم.
ثم أقول: يتجه فيه معنى آخرُ مُطَّرِد في سائر الأحاديث القاضية بالكفر فيما ليس في نفسه كفرًا، وهو أن ذلك يؤول به إلى الكفر، إذا لَمْ يتب توبة ماحية لِجُرْمه ذلك؛ إذ المعصية إذا فَحُشَت جَرَّت بشؤمها إلى الكفر، ولذلك شواهد، ووصفُ الشيء بما يؤول إليه سائغ شائع، من ذلك قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} [الزمر: ٣٠]، والله أعلم.
وقد رَوَينا في بعض روايات هذا الحديث في مُستخَرَج أبي عوانة الإسفراييني الحافظ على كتاب مسلم:"فإن كان كما قال، وإلا فقد باء بالكفر"، وفي رواية أخرى:"أنه إذا قال لأخيه: يا كافر، وجب الكفر على أحدهما".
فهذا إن لَمْ يكن من عبارة بعض الرواة روايةً منه بالمعنى على ما فهمه، مع أنه ليس الأمر على ما فهمه، كما وقع في كثير من رواياتهم، فالوجه الأخير حينئذ هو الراجح المختار، والله أعلم. انتهى كلام ابن الصلاح (١).
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرحه": قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما":
هذا الحديث مما عَدّه بعض العلماء من المشكلات، من حيث إن ظاهره غير مراد، وذلك أن مذهب أهل الحقّ أنه لا يَكْفَر المسلم بالمعاصي، كالقتل والزنا، وكذا قوله لأخيه: كافر اعتقاد من غير بطلان دين الإسلام، وإذا عُرِف ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه:
[أحدها]: أنه محمول على المستحلّ لذلك، وهذا يَكْفُر، فعلى هذا معنى "باء بها" أي بكلمة الكفر، وكذا "حار عليه"، وهو معنى "رَجَعت عليه" أي رجع عليه الكفر، فباء، وحار، ورجع بمعنى واحد.
[والوجه الثاني]: معناه رَجعت عليه نقيصته لأخيه، ومعصية تكفيره.