للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[والثالث]: أنه محمول على الخوارج المكفِّرين للمؤمنين، وهذا الوجه نقله القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -، عن الإمام مالك بن أنس، وهو ضعيف؛ لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون، أن الخوارج لا يُكَفَّرون، كسائر أهل البدع.

[والوجه الرابع]: معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي كما قالوا: بريد الكفر، ويُخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر، ويؤيد هذا الوجه، ما جاء في رواية لأبي عوانة الإسفراييني في كتابه الْمُخَرَّج على "صحيح مسلم": "فإن كان كما قال، وإلا فقد باء بالكفر"، وفي رواية: "إذا قال لأخيه: يا كافر، وجب الكفر على أحدهما".

[والوجه الخامس]: معناه فقد رَجَع عليه تكفيره، فليس الراجع حقيقة الكفر، بل التكفير؛ لكونه جعل أخاه المؤمن كافرًا، فكأنه كَفَّر نفسه، إما لأنه كَفَّر مَن هو مثله، وإما لأنه كَفر من لا يُكَفره إلَّا كافر، يعتقد بطلان دين الإسلام. انتهى كلام النوويّ (١).

وقال في "الفتح": قال النوويّ: اختُلِف في تأويل هذا الرجوع، فقيل: رجع عليه الكفر، إن كان مستحلًّا، وهذا بعيد من سياق الخبر، وقيل: محمول على الخوارج؛ لأنهم يُكَفرون المؤمنين، هكذا نقله عياض عن مالك، وهو ضعيف؛ لأن الصحيح عند الأكثرين أن الخوارج لا يُكَفَّرون ببدعتهم.

قال الحافظ: ولما قاله مالك وجه، وهو أن منهم من يُكَفِّر كثيرًا من الصحابة - رضي الله عنهم -، ممن شَهِدَ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وبالإيمان، فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشهادة المذكورة، لا من مجرد صدور التكفير منهم بتأويل.

قال: والتحقيق أن الحديث سِيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم، وذلك قبل وجود فِرْقة الخوارج وغيرهم.

وقيل: معناه: رجعت عليه نقيصته لأخيه، ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به.

وقيل: يُخشى عليه أن يؤول به ذلك إلى الكفر، كما قيل: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها، وأصرّ عليها سوء الخاتمة.


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٤٩ - ٥٠.