للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك، وقد تَوَلَّى جماعة دفنه - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينفرد شقران بدفنه، حتى يخفى على الآخرين وضع القطيفة تحته - صلى الله عليه وسلم -؟.

ومن الغريب أيضًا ما رجحه العراقيّ في "ألفية السيرة"، من أن تلك القطيفة أُخرجت بعدما فُرشت، حيث قال فيها:

وَفُرِشَتْ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةُ … وَقِيلَ أُخْرِجَتْ وَهَذَا أَثْبَتُ

وهذا قاله تبعًا لابن عبد البرّ، فإنه رجح ذلك، وهذا لا يثبت، فإنه رواه الواقديّ، عن عليّ بن حسين- كما ذكره الحافظ في "التلخيص الحبير" (٢/ ٢٦٣) - وهذا مرسل، والكلام في الواقديّ شهير، فكيف يُرَجَّح ما هذا حاله على ما ثبت في "صحيح مسلم"، وغيره؟ هذا من الغرابة بمكان.

والحاصل أن الصواب جواز وضع الثوب تحت الميت.

وقد ذهب إلى هذا القول الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله، ودونك عبارته: "مسألة: ولا بأس بأن يُبسط في القبر تحت الميت ثوب "؛ لما رَوَينا من طريق مسلم، نا محمد بن المثنى، نا يحيى بن سعيد القطان، نا شعبة، نا أبو جمرة، عن ابن عبّاس، قال: "بُسلط في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيفة حمراء"، ورواه أيضًا كذلك وكيع، ومحمد بن جعفر، ويزيد بن زُريع، كلهم عن شعبة بإسناده.

قال: وهذا من جملة ما يُكساه الميت في كفنه، وقد ترك الله تعالى هذا العمل في دفن رسوله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم من الناس، ولم يمنع منه، وفعله خِيرة أهل الأرض في ذلك الوقت، بإجماع منهم، لم يُنكره أحد منهم، ولم يرد ذلك المالكيون، وهم يدّعون في أقلّ من هذا عمل أهل المدينة، وقد تركوا عملهم هنا، وفي الصلاة على الميت في المسجد. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله (١). وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "المحلّى" ٥/ ١٦٤.