للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربّهم، وشدّوا إليها الرحال، وتمسّحوا بها، واستغاثوا.

وبالجملة إنهم لم يَدَعُوا شيئًا، مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله، وإنا إليه راجعون.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بل زاد هؤلاء على ما كان عليه أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يعبدون الأصنام ويدعونها في الرخاء، فإذا أصابتهم شدة أخلصوا التوحيد لله تعالى، والتجأوا إليه، وتركوها، كما قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)} [العنكبوت: ٦٥]، وأما هؤلاء فالرخاء والشدة عندهم سواء، فلا يزالون يقولون في جميع أحوالهم: يا سيدي فلان أغثنا، أنقذنا مما نحن فيه، فإنا لله، وإنا إليه راجعون.

قال رحمه الله: ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع لا نجد مَن يغضب لله، وَيغَار، حميّة للدين الحنيف، لا عالمًا، ولا متعلمًا، ولا أميرًا، ولا وزيرًا، ولا ملكًا.

قال الجامع عفا الله عنه: بل صار الأمر بالعكس، فكم ممن ينتسب إلى العلم يراهم، ويسمعهم، فلا يُنكر عليهم، بل العلماء أنفسهم شركاء لهم في ذلك، بل هم أشد منهم، فإنهم يؤلفون كتبًا في الاستغاثة بهم، ويقرؤونها عند قبورهم، أو غيرها من المجالس، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

يَا مُصْلِحَ الْعِبَادِ يَا مِلْحَ الْبَلَدْ … مَنْ يُصْلِحُ الْمِلْحَ إِذَا الْمِلْحُ فَسَدْ

قال رحمه الله: وقد تواردت إلينا من الأخبار ما لا يُشكّ معه أن كثيرًا، من هؤلاء القبوريين (١)، أو أكثرهم إذا توجهتْ عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرًا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك، ومعتقدك الوليّ الفلانيّ تلعثم، وتلكّأ، وأبى، واعترف بالحقّ، وهذا من أبين الأدلّة الدالّة على أن


(١) هكذا اشتهر على الألسنة، والصواب القبريين؛ لأنه إذا نسب إلى الجمع يرد إلى واحدة، كما قال ابن مالك:
وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْعِ … إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِدًا بِالْوَضْعِ