وأما أثر ابن عمر -رضي الله عنهما-، وإن كان صحيحًا، فلا يعارض الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل يُحْمَل على أنه لم يبلغه النهي.
وأما أثر زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، وإن كان صحيحًا، فلا يعارض الأحاديث الصحاح الصريحة بالنهي عن الجلوس، بل هو حديث آخر، سمعه زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ينهى عن الجلوس لقضاء الحاجة، كما سمعه الآخرون ينهى عن مطلق الجلوس، فهذا هو وجه العمل بالحديثين، وإن سلكنا مسلك الترجيح، فالأحاديث الأخرى ترجّح عليه؛ لكونها أقوى منه، فقد أخرجها مسلم في "صحيحه"، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومن حديث أبي مَرْثَد الغنويّ -رضي الله عنه-، ومن حديث جابر -رضي الله عنه-، وورد أيضًا من حديث عمرو بن حزم -رضي الله عنه-، عند النسائيّ، وفي سنده ضعف، لكن يتقوّى بالأحاديث المذكورة، فهذه الأحاديث أرجح من حديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، وأقوى، فترجّح عليه، لكن الجمع أولى، كما أسلفناه آنفًا.
وأما أثر أبي هريرة -رضي الله عنه- فضعيف؛ لأن في سنده محمد بن أبي حميد الأنصاري الزُّرَقيّ المدنيّ، لقبه حماد، ضعيف، فالصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المرفوع، وهو النهي عن الجلوس.
فتبيّن بهذا أن الصواب هو ما عليه الجمهور من المنع عن الجلوس على القبور مطلقًا، وأن النهي فيه للتحريم، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله المذكور أولَ الكتاب قال: