للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجوزيّ، حيث قال: جمهور الفقهاء على الكراهة، خلافًا لمالك، وصرّح النوويّ في "شرح المهذّب" بأن مذهب أبي حنيفة كالجمهور، وليس كذلك، بل مذهب أبي حنيفة، وأصحابه يقول مالك، كما نقله عنهم الطحاويّ، واحتجّ له بما أخرجه من طريق بكير بن عبد الله بن الأشجّ، أن نافعًا حدثه: أنّ عبد الله ابن عمر كان يجلس على القبور، وأخرج عن عليّ نحوه، وعن زيد بن ثابت، مرفوعًا: "إنما نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبور لحدث غائط، أو بول"، ورجال إسناده ثقات.

ويؤيّد قول الجمهور ما أخرجه أحمد، من حديث عمرو بن حزم الأنصاريّ، مرفوعًا: "لا تقعدوا على القبور"، وفي رواية له، عنه: رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا متكئ على قبر، فقال: "لا تؤذ صاحب القبر". وإسناده صحيح (١)، وهو دالّ على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته.

وردّ ابن حزم التأويل المتقدّم بأن لفظ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتُحرق ثيابه، فتخلُص إلى جلده … "، قال: وما عهدنا أحدًا يقعد على ثيابه للغائط، فدلّ على أن المراد القعود على حقيقته.

وقال ابن بطّال: التأويل المذكور بعيد؛ لأن الحدث على القبر أقبح من أن يُكرَه، وإنما يُكره الجلوس المتعارف. انتهى ما في "الفتح" (٢).

قمال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور من تحريم الجلوس على القبور هو الصواب؛ للأحاديث الصحاح التي تقدّمت.

وأما ما احتجّ به الذين قالوا إن المراد بالجلوس قضاء الحاجة عليها، كما نُقل عن مالك، وغيره، من الآثار التي رُويت عن عليّ، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة - رضي الله عنهم -، فالجواب عنها، أن نقول: أما أثر عليّ - رضي الله عنه - فضعيف؛ لأن في سنده مولى لآل علي - رضي الله عنه -، ولم يسمّ.


(١) ليس كما قال، بل في إسناد الحديث الأول النضر بن عبد الله السلمي، وهو مجهول، وفي إسناد الثاني عبد الله بن لهيعة، والكلام فيه معروف. لكن متن الحديث صحيح بشواهده، كما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
(٢) "الفتح" ٣/ ٥٨٩ - ٥٩٠، كتاب الجنائز.