وقال الحافظ أبو عمر رحمه الله: وصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- علي سهيل ابن بيضاء من أصحّ ما يُروى عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من أخبار الآحاد العدول.
وهو قول الشافعيّ، وجمهور أهل العلم، وهي السنّة المعمول بها في الخليفتين بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صلّى عمر على أبي بكر الصّدّيق في المسجد، وصلى صُهيب على عمر في المسجد بمحضر كبار الصحابة، وصدر السلف، من غير نكير، وما أعلم من يُنكر ذلك إلا ابن أبي ذئب.
ورويت كراهية ذلك عن ابن عبّاس من وجوه لا تصحّ، ولا تثبت، وعن بعض أصحاب مالك، ورواه عن مالك، وقد رُوي عنه جواز ذلك من رواية أهل المدينة، وغيرهم، وقد قال في المعتكف: لا يخرج إلى جنازة، فإن اتصلت الصفوف به في المسجد، فلا يصلي عليها مع الناس.
وعن مالك قال: لا يعجبني أن يُصَلَّى على أحد في المسجد، قال: ولو فَعَل ذلك فاعل ما كان ضيّقًا، ولا مكروهًا، فقد صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل ابن بيضاء في المسجد، وصلّى عمر على أبي بكر في المسجد، وصلى صُهيب على عمر في المسجد.
وذكر عبد الرزاق، عن معمر، والثوريّ، عن هشام بن عروة، قال: رأى أبي الناس يخرجون من المسجد ليصلّوا على جنازة، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ ما صُلِّي على أبي بكر إلا في المسجد.
[فإن قيل]: إن الناس الذين أنكروا على عائشة -رضي الله عنها- أن يُمَرَّ عليها بجنازة سعد بن أبي وقّاص في المسجد، هم الصحابة، وكبار التابعين، لا محالة؟.
أقيل لهم،: ما رأت عائشة إنكارهم بكبير، ورأت الحجّةَ في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ هو الأسوة الحسنة، والقدوة، وأين المذهب، والرغبة عن سنته -صلى الله عليه وسلم-، ولم يأت عنه ما يخالفها من وجه معروف، ولو لم تكن في هذا الباب سنّة ما وجب أن يُمنَع عن ذلك؛ لأن الأضل الإباحة حتى يرد المنع والحظر، فكيف، وفي إنكار ذلك جهل السنّة، والعملِ القديم بالمدينة.
ألا ترى أن قول عائشة -رضي الله عنها-: "ما أسرع الناس" تريد إلى إنكارها ما يعلمون، وترك السؤال عما يجهلون. وقد روي:"ما أسرع ما ينسى الناس"، وليس من نَسِيَ علمًا حجة على من ذكره، وعَلِمَه.