للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (قُولي: "السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ)؛ أي: القبور، تشبيهًا للقبر بالدار في كونه مسكنًا (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ) قال القرطبيّ رحمه الله هذا يدلّ على أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء؛ خلافًا لمن قال: إن تحية الميت: عليك السلام، بتقديم عليك، تمسكًا بما رُوي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سلم رجل عليه، فقال: عليك السلام يا رسول الله، فقال: "لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحيَّة الموتى" (١)، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- إنما كره منه أن يبدأ بعليك السلام؛ لأنه كذلك كانت تحية الجاهلية للموتى، كما قال شاعرهم:

عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ … وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا

ومقصوده -صلى الله عليه وسلم- أن سلام المؤمنين على الأحياء والموتى مخالف لما كانت الجاهليّة تفعله، وتقوله، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحديث الذي أشار إليه أخرجه أحمد، وأبو داود في "سننه" والترمذيّ، وصححه، والنسائيّ، وصححه الحاكم، عن أبي تميمة الْهُجَيميّ، عن أبي جُرَيّ -بالجيم، والراء، مصغرًا- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: "لا تقل: عليك السلام، فإن عليك السلام تحيّة الموتى".

وقد اعترض الحافظ رحمه الله، كون البيت المذكور من شعر أهل الجاهلية، فإن قيس بن عاصم صحابيّ مشهور، عاش بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- والمرثية المذكورة لمسلم معروف، قالها لما مات قيس، ومثله ما أخرج ابن سعد وغيره أن الجنّ رَثَوا عمر بن الخطاب بأبيات، منها:

عَلَيْكَ سلَامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ … يَدُ الله فِي ذَاكَ الأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ

وقال ابن العربيّ في السلام على أهل البقيع: لا يعارض النهي في حديث أبي جُرَيّ؛ لاحتمال أن يكون الله أحياهم لنبيّه -صلى الله عليه وسلم-، فسلم عليهم سلام الأحياء، كذا قال. قال الحافظ: ويردّه حديث عائشة المذكور (٣).


(١) رواه أحمد ٥/ ٦٣، وأبو داود رقم ٤٠٨٤، والترمذيّ ٢٧٢١، وابن حبان ٥٢٢.
(٢) المصدر المذكور.
(٣) يعني: قولها: كيف أقول؟ قال: "قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين".