للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه دلالة على أن القَسْم عليه واجب؛ إذ لا يكون تركه جورًا إلا إذا كان واجبًا. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح من أقول العلماء أن القسم ليس واجبًا على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وسيأتي تمام البحث فيه في موضعه -إن شاء الله تعالى-.

(قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُم النَّاسُ) "مهما" شرطية، ولذا جُزِم الفعل بعدها، وجوابها قولها: (يَعْلَمْا اللهُ نَعَمْ) قال النوويّ رحمه الله: هكذا هو في جميع الأصول، وهو صحيح، وكأنها لما قالت: مهما يكتم الناس، يعلمه الله صدّقت نفسها، فقالت: نعم (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("فَإَنَّ جِبْرِيلَ) عليه السلام (أتانِي حِينَ رَأَيْتِ) مفعوله محذوف؛ أي: ما صنعته من وضع ردائي، فما بعده (فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْك)؛ أي: لئلا تفزعي، وتنزعجي (فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ) لما ذُكر (وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ)؛ أي: إنما ناداني من بعيد، ولم يدن مني؛ لأنه لا يدخل عليك (وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ) بكسر التاء لخطاب المرأة، والجملة في محل نصب على الحال من الفاعل، والرابط الواو (وَظنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ)؛ أي: إنما فعلتُ كذلك لظني نومك (فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي) من عطف العلة على المعلول؛ أي: إنما كرهت إيقاظك، خشيةً من استيحاشك (فَقَالَ) جبريل عليه السلام (إِن رَبَّكَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَأَتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ، فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ") قال القرطبيّ رحمه الله: يدلّ على أنه دعا لأهل البقيع، واستغفر، وأن هذا هو الذي عبّر عنه في الرواية الأخرى: "يصلي"، وقد قيل: إنه صلى عليهم صلاته على الجنازة، ويؤيّد هذا القول أنه قد جاء في حديث مالك: "فأصلي عليهم"، ثم الذي يقول بهذا يرى أن ذلك خاصّ بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والأول أظهر، وهذا محتمل. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الثاني بعيد جداً، ومما يبعده قولها: "ثم رفع يديه ثلاث مرار"، فالصواب أنه استغفر، ودعا لهم، والله تعالى أعلم.

(قَالَتْ) عائشة -رضي الله عنها- (قُلْتُ: كيْفَ أقولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟) المراد أهل القبور مطلقًا، لا خصوص أهل البقيع؛ أي كيف أقول من الذكر والدعاء عند زيارة القبور؟.


(١) "المفهم" بتصرف ٢/ ٦٣٥ - ٦٣٦.