من النار، وقد ثبت في "الصحيح" أن غلامًا يهوديًّا كان يخدم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فمرض، فعاده النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم.
٣ - (ومنها): بيان جواز البكاء عند حضور المقابر؛ لما في الرواية التالية من كونه - صلى الله عليه وسلم - بكى، وأبكى من حوله.
٤ - (ومنها): بيان النهي عن الاستغفار للمشركين.
٥ - (ومنها): بيان تأكُّد بِرِّ الوالدين، وأن إسلامهما ليس شرطًا في وجوب بِرّهما، بل يلزم برّهما ولو كانا مشركين، كما قال الله تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} الآية [لقمان: ١٥]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قال صاحب "المرعاة في شرح المشكاة": الحديث بظاهره يدلّ على أن أمه - صلى الله عليه وسلم - ماتت على غير الإسلام، وهو مذهب جمهور العلماء في شأن أبويه - صلى الله عليه وسلم -، وقد ترجم النسائيّ، وابن ماجه لهذا الحديث:"باب زيارة قبر المشرك".
قال السنديّ في حاشية النسائيّ: كأنه أخذ ما ذَكَرَ في الترجمة من المنع عن الاستغفار، أو من مجرّد أنه الظاهر على مقتضى وجودها في وقت الجاهليّة، لا من قوله:"فبكى، وأبكى"؛ إذ لا يلزم من البكاء عند الحضور في ذلك المحلّ العذاب، أو الكفر، بل يمكن تحققه مع النجاة، والإسلام أيضًا، لكن من يقول بنجاة الوالدين لهم ثلاث مسالك في ذلك:
مَسلَكُ أنهما ما بلغتهما الدعوة، ولا عذاب على من لم تبلغه الدعوة؛ لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥] فلعلّ من سلك هذا المسلك يقول في تأويل الحديث: إن الاستغفار فرع تصوّر الذنب لهم، وذلك في أوان التكليف، ولا يُعقل ذلك فيمن لم تبلغه الدعوة، فلا حاجة إلى الاستغفار لهم، فيمكن أنه ما شُرع الاستغفار إلا لأهل الدعوة، لا لغيرهم، وإن كانوا ناجين، وأما من يقول بأنهما أُحييا له - صلى الله عليه وسلم -، فآمنا به، فيَحمِل هذا الحديث على أنه كان قبل الإحياء، وأما من يقول بأنه تعالى يوفقهما للخير عند الامتحان يوم القيامة، فهو يقول: بمنع الاستغفار لهما قطعًا، فلا حاجة له إلى تأويل، فاتضح وجه الحديث على جميع المسالك، والله تعالى أعلم. انتهى