(فَزُورُوهَا) وفي رواية للنسائيّ: "فمن أراد أن يزورها، فليزرها، ولا تقولوا هُجْرًا"، بضم، فسكون؛ أي: ما لا ينبغي من الكلام، وفي رواية له من طريق زُبيد بن الحارث، عن محارب:"فزوروها ولْتَزدكم زيارتها خيرًا"، وفي رواية له من طريق الزبير بن عديّ، عن ابن بُريدة:"ومن أراد زيارة القبور، فإنها تذكر الآخرة"، وللحاكم من حديث أنس - رضي الله عنه -: "وتُرِقّ القلبَ، وتُدمِع العين، فلا تقولوا هُجْرًا"، وله من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "فإنها تزهد في الدنيا"، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، الماضي عند مسلم:"زوروا القبور، فإنها تذكّر الموت".
وفي قوله:"ومن أراد زيارة القبور إلخ" بيان أن الأمر في زيارتها للاستحباب، لا.
للوجوب؛ لأنه علّقه بالإرادة، ففيه الردّ على بعض من قال: إن زيارتها واجبة -كابن حزم- مستدلًّا بلفظ الأمر، حيث إنه للوجوب، والله تعالى أعلم.
وقال النوويّ رحمه اللهُ: هذا من الأحاديث التي تَجمَع بين الناسخ والمنسوخ، وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها، وأجمعوا على أن زيارتها سنّة، وأما النساء ففيهنّ خلاف لأصحابنا. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: سيأتي أن الراجح هو الجواز للنساء أيضًا؛ لقوة دليله، والله تعالى أعلم.
(وَنَهَيْتُكمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِىِّ)؛ أي: عن أكل لحومها (فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ) وفي رواية: "فكلوا، وأطعموا، وادَّخِروا، ما بدا لكم".
وسبب نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، هو ما سيأتي للمصنف رحمه اللهُ في "كتاب الأضاحي"(١٩٧١) من طريق عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة، فقالت: صدق، سمعت عائشة تقول: دَفّ أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى، زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادَّخِروا ثلاثًا، ثم تصدقوا بما بقي"،