للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وغيرهما: اتفقوا على أن زيارة القبور للرجال جائزة، كذا أطلقوا، وفيه نظر؛ لأن ابن أبي شيبة وغيره روى عن ابن سيرين، وإبراهيم النخعيّ، والشعبىّ الكراهة مطلقًا، حتى قال الشعبيّ: لولا نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - لزرت قبر ابنتي. فلعلّ من أطلق أراد بالاتفاق ما استقرّ عليه الأمر بعد هؤلاء، وكأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ، والله أعلم.

ومقابل هذا قول ابن حزم: إن زيارة القبور واجبة، ولو مرّة واحدة في العمر، لورود الأمر به.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدم أن الصواب كون الأمر للاستحباب؛ لصحة قوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية النسائيّ رحمه اللهُ: "فمن أراد أن يزور فليزر"، ولعلّ ابن حزم لم يستحضر هذه الرواية حينما قال بالوجوب، والله تعالى أعلم.

قال: واختُلف في النساء، فقيل: دخلن في عموم الإذن، وهو قول الأكثر، ومحلّه ما إذا أُمِنت الفتنة، ويؤيد الجواز حديث الباب -يعني حديث أنس - رضي الله عنه - الذي أورده البخاريّ مستدلًّا على مشروعية زيارة القبور، فقال في "صحيحه":

(١٢٨٣) - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: مَرّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتقي الله، واصبري"، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأتت بابَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم تجد عنده بَوّابِين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر، عند الصدمة الأولى".

وموضع الدلالة منه أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريرُهُ - صلى الله عليه وسلم - حجة. وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة - رضي الله عنها -، فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة، أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن، فقيل لها: أليس قد نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ قالت: نعم، كان نهى، ثم أمر بزيارتها.

وقيل: الإذن خاصّ بالرجال، ولا يجوز للنساء زيارة القبور، وبه جزم الشيخ أبو إسحاق في "المهذّب"، واستدلّ بحديث أحمد، والنسائيّ عن