للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نصّه: والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بزيارة القبور بأسًا، وهو قول ابن المبارك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.

وقال أيضًا بعد أن أخرج حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعنَ زَوّارات القبور" ما نصه: وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخّص النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور، فلما رخّص دخل في رخصته الرجال والنساء. وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء، لقلة صبرهنّ، وكثرة جزعهنّ. انتهى كلام الترمذيّ رحمه اللهُ (١).

وقال العلامة القرطبيّ رحمه اللهُ: قوله: "فزوروها" نصّ في النسخ للمنع المتقدّم، لكن اختلف العلماء، هل هذا النسخ عامّ للرجال وللنساء، أم هو خاصّ للرجال، دون النساء؛ والأول أظهر. وقد دلّ على صحة ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قد رأى امرأة تبكي عند قبر، فلم يُنكر عليها الزيارة، وإنما أنكر عليها البكاء.

وقال أيضًا عند قوله: "فإنها تذكّر الموت" ما نصّه: وتَذَكُّر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء، على أن أصحّ ما في نهي النساء عن زيارة القبور ما خرّجه الترمذيّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لعن زَوّارات القبور"، صححه الترمذيّ على أن في إسناده عُمَر بن أبي سلمة، وهو ضعيف عندهم. ثم إن هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة؛ لأن زوّارات للمبالغة، ويمكن أن يقال: إن النساء إنما يُمنعن من إكثار الزيارة؛ لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوج، والتبرّج، والشهرة، والتشبّه بمن يلازم القبور لتعظيمها، ولِمَا يُخاف عليها من الصُّرَاخ، وغير ذلك من المفاسد، وعلى هذا يُفرّق بين الزائرات، والزوّارات، والصحيح نسخ المنع عن الرجال والنساء، كما تقدّم، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه اللهُ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله القرطبىّ رحمه اللهُ، هو الحقّ؛ لقوة دليله، كما سيأتي تحقيقه قريبًا، إن شاء الله تعالى.

وقال الحافظ رحمه اللهُ في "الفتح": قال النوويّ تبعًا للعبدريّ، والحازميّ،


(١) انظر: "جامع الترمذيّ" ٣/ ٣٦١ - ٣٦٣.
(٢) "المفهم" ٢/ ٦٣٢ - ٦٣٣.