[ومنها]: حديث أنس - رضي الله عنه - عند الشيخين، وقد تقدم قريبًا، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليها زيارتها للقبر، وإنما أنكر عليها البكاء، وعدمَ الصبر، ولذلك استدلّ به الإمام البخاريّ على جواز زيارة القبور، ولم يذكر من الأحاديث الدالّة على الجواز في "باب زيارة القبور" غيره، قال الحافظ في "الفتح": وكأنه لم تثبت على شرطه الأحاديث المصرّحة بالجواز.
والحاصل أن هذه الأحاديث الصحاح تدلّ دلالة واضحة على جواز زيارة القبور للنساء، ولم يأت المانعون بحجة تُعارض هذه الأحاديث الصحاح، فكلّ ما استدلّوا به من الأحاديث لا يخلو من كلام.
[فمنها]: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي تقدم: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن زَوّارات القبور"، فهو وإن صححه الترمذي، إلا أن في سنده عُمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والأكثرون على تضعيفه.
[ومنها]: حديث حسان بن ثابت - رضي الله عنه -، أخرجه أحمد، وابن ماجه، واللفظ له: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوّارات القبور"، وفي سنده عبد الرحمن بن بَهْمان، لم يرو عنه غير عبد الله بن عثمان بن خُثيم، وقال ابن المدينيّ: لا يعرف، ووثقه بعضهم.
[ومنها]: حديث ابن عباس - رضي الله عنه -، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه، بلفظ: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور، والمتخذين عليها السرج"، وفي سنده أبو صالح باذان، أو باذام، مولى أم هانئ ضعفوه، ومنهم من كذّبه.
فهذه الأحاديث، وإن قيل: إنها يتقوّى بعضها ببعض، لكنها لا تعارض الأحاديث السابقة الصحيحة، لأمور:
(أحدهما): رجحان تلك عليها، من حيث الصحّة.
(الثاني): أن الظاهر كون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالها قبل النسخ، كما بيّنته عائشة - رضي الله عنها -، لما سألها ابن أبي مليكة، كما تقدّم.
(الثالث): أنها محمولة على ما إذا كانت زيارتهنّ مشتملة على محظور،